جدلية العلاقة بين الإنفاق العسكري والتنمية الإقتصادية ، مجلة الدفاع الوطني ، العدد 75 - كانون الثاني .2011
.
تعريف الإنفاق العسكري
ثمة تعريفات مختلفة لمفهوم الإنفاق العسكري. بعضها يتناوله من
منظور ضيِّق حيث يختصره بتلك «الموارد المكرَّسة للدفاع في الموازنة
العامة للدولة»، وبأنه «جزء من الإنفاق العام للدولة، تقوم به من أجل
الدفاع عن نفسها في حالة تعرُّضها لخطر خارجي، أو لمواجهة خطر واقع عليها
فعلاً، أو لتسخير قوتها العسكرية لتحقيق أهداف توسعية»
هذا التعريف لا يأخذ في الحسبان مختلف أوجه الإنفاق المرتبط بالأغراض
العسكرية، وإنما يركز فحسب على الإنفاق الوارد في الموازنة العامة للدولة.
كما أنه لا يتضمَّن الأنشطة المدنيَّة التي تقع ضمن موازنة الدفاع، كمشاريع
الأبنية الأساسية وأعمال الإغاثة. وإذا ما أخذ بهذا المفهوم للإنفاق
العسكري فإنه سيكون مضللاً ولا يعبر عن حقيقة هذا الإنفاق، لأنه سيكون في
الغالب أدنى مما هو في الواقع، وسيجعل مقارنته مع الإنفاق العسكري في الدول
الأخرى غير دقيقة.
على العكس من هذا التعريف الضيِّق للإنفاق العسكري يتناول البعض هذا المفهوم بمنظور أوسع، فيعتبر أنه يضم كلاً من البنود الآتية:
- النفقات الكلية لوزارة الدفاع للأغراض العسكرية.
- النفقات التي تدعم بشكل مباشر البرامج الدفاعية، بصرف النظر عن الإدارة التي تقوم بها.
- نفقات البرامج الأخرى المبرَّرة على أرضية الأمن القومي.
غير أن التعريف الأوسع والأكثر شمولية للإنفاق العسكري هو ذلك
الذي يستخدمه معهد ستوكهولم لأبحاث السلام الدولي (sipri)، حيث يرى أن
الإنفاق العسكري «يتضمَّن الإنفاق على الجهات الفاعلة والأنشطة الآتية:
أ) القوات المسلحة، بما فيها قوات حفظ السلام.
ب) وزارات الدفاع وهيئات حكومية أخرى مشتركة في مشاريع دفاعية
ج) القوات شبه العسكرية، عندما يُحسب أنها مدرَّبة ومجهَّزة لعمليات عسكرية.
د) الأنشطة العسكرية في الفضاء. وهو يشمل جميع الإنفاق الجاري والرأسمالي على:
1) الأفراد العسكريين والمدنيين، بما في ذلك رواتب تقاعد العسكريين والخدمات الإجتماعية للأفراد.
2) العمليات والصيانة.
3) المشتريات.
4) البحث والتطوير العسكريين
5) المساعدة العسكرية (في الإنفاق العسكري للبلد المانح).
أما المستثنى من الإنفاق فهو الدفاع المدني والإنفاق الحالي
على أنشطة عسكرية سابقة، مثل الإعانات المخصَّصة لمحاربين قدامى، ولإجراءات
تسريح من الخدمة، وتبديل أسلحة وتدميرها»
العوامل المؤثرة في تحديد مستوى الإنفاق العسكري
إن الإنفاق العسكري هو بمنزلة قرار سياسي، استراتيجي،
اقتصادي. وبدهي أن تخضع عملية اتخاذ القرار في هذا الخصوص لتأثير عوامل
مختلفة، تتفاعل في ما بينها، سياسية واستراتيجية واقتصادية
العوامل السياسية، تتمثَّل في الوضع السياسي القائم في البلد
المعني، وطبيعة نظام الحكم، ودرجة الإستقرار السياسي فيه. وطبيعي أن ثمة
علاقة مباشرة بين عدم الإستقرار السياسي والإنفاق العسكري. وكذلك في
التحالفات الإقليمية للبلد المعني ومدى ارتباطه بتحالفات عسكرية يمكن أن
تجعل إنفاق البلد عند مستويات عالية.
العوامل الإستراتيجية، وتتمثَّل في خطر نشوب حرب، حيث أن
الإنفاق العسكري يكون عالياً في المناطق التي تلوح في أفقها احتمالات
الحرب. وكذلك الحروب الأهلية والنزاعات الإقليمية، التي تطلق سباقات تسلُّح
بين دول المنطقة.
العوامل الإقتصادية، وتتمثَّل في:
-1 توافر الموارد الإقتصادية، فكلما كانت الدولة غنية
بالموارد الإقتصادية، كانت أكثر قدرة من غيرها على الإنفاق على الأغراض
العسكرية، والعكس صحيح.
-2 مستوى التنمية الإقتصادية، والذي يُعبر عنه عادة
بالتغيُّرات في متوسط نصيب الفرد من إجمالي الناتج الوطني. حيث أن مستوى
التنمية الإقتصادية يؤدي دوراً مؤثراً في تحديد مستويات الإنفاق العسكري.
فمع تزايد وتائر النمو قد يميل الإنفاق العسكري إلى الإرتفاع.
-3 الصرف الأجنبي، فتوافر الصرف الأجنبي يمكن أن يساعد
الدولة على تلبية حاجاتها من المعدات العسكرية المتطورة، ما يدفع النفقات
العسكرية إلى الإرتفاع، والعكس صحيح.
-4 التصنيع العسكري، أي مدى وجود صناعة عسكرية محلية. ففي
الدول التي تتوافر فيها صناعات عسكرية، تجد المؤسسة العسكرية نفسها تحت ضغط
ضمان طلب مستمر كافٍ على إنتاج هذه الصناعات، الأمر الذي يجعل الإنفاق
العسكري عند مستويات مرتفعة.
2) الإنفاق العسكري يتعاظم
لم تجلب نهاية الحرب الباردة، كما ذكرنا، السلام النهائي
للعالم، وكانت النتيجة الحتمية لاحتدام التناقضات بين الدول، وانتشار
النزاعات وتفاقم الصراعات، وتسارع عجلة سباق التسلح، أن تعاظمت النفقات
العسكرية لغالبية بلدان العالم. فحسب معطيات معهد ستوكهولم لأبحاث السلام
الدولي (sipri)، شهدت الفترة من العام 1989 وحتى العام 2008، ارتفاعاً
كبيراً جداً في النفقات العسكرية على مستوى العالم. وكان قصب السبق فيها
بالطبع للولايات المتحدة التي شكَّل الإنفاق العسكري فيها قرابة نصف مجموع
الإنفاق العسكري على مستوى العالم ككل.
قُدِّر الإنفاق العسكري العالمي بنحو 1464 مليار دولار العام
2008، بزيادة مقدارها 4 % بالأسعار الحقيقية، مقارنة بإنفاق العام 2007،
وزيادة بنسبة 45 % على فترة السنوات العشر 1999 – 2008. وقد شكَّل ذلك
قرابة 2,4 % من إجمالي الناتج المحلي العالمي، أو 217 دولاراً لكل فرد.
وبقيت الولايات المتحدة الدولة الأكثر إنفاقاً العام 2008، حيث استـأثرت
بـ41,5 % من الإنفاق العسكري الإجمالي في العالم، تلتها الصين بنسبة 5,8 %،
ثم فرنسا وبريطانيا وروسيا بنسبة 4 – 4,5 لكل منهما .
تعليقات
إرسال تعليق