التخطي إلى المحتوى الرئيسي

دروس علوم إسلامية كاملةً مع أجوبة الكتاب المدرسي (جميع الشعب ) الجزء الأول

دروس علوم إسلامية كاملةً مع أجوبة الكتاب المدرسي (جميع الشعب ) : الجزء الأول

الدرس 1 : وسائل القرءآن الكريم في تثبيت العقيدة الإسلامية :
إذا تدبرنا القرآن الكريم و خاصة السور المكية نجد أنه يستخدم و سائل كثيرة لتوضيح العقيدة السليمة
و تصحيح الانحرافات التي يقع الناس فيها والتي تبعدهم عن الهدي الرباني، و لتثبيت هذه العقيدة و
تعميق أثرها في النفس الإنسانية اتخذ القرآن عدة وسائل ومن هذه الوسائل ما يلي:
- إثارة الوجدان يلفت القرآن الكريم نظر الإنسان لتدبر آيات الله في الكون،وإزالة التلبد الذي يقع في
حس الإنسان من المشاهد المكررة. و ذالك يشمل الحديث عن الكون بضخامته الهائلة و دقة معجزاته،
وظاهرة الحياة والموت، و إجراء الأرزاق، و إجراء الأحداث، و قدرة الله، و علم الله الشامل للغيب،
كل ذلك بطريقة فذة تجعل الإنسان يستقبل هذه الأمور كلها كأنه يراها ويلاحظها لأول مرة، فينفعل
وجدانه، ويستيقظ لحقيقة الألوهية.
- إثارة العقل ليتفكر في خلق الله، ليدرك أن لهذا الكون خالقا، و أنه لا يمكن أن يكون له شريك في
الخلق و لا الرزق ولا في تدبير الأمور. و هذا يشمل كل الإشارات السابقة و لكن بطريق أخر غير
إثارة الوجدان و الانفعال، و هو طريق التفكر و التدبر المنطقي.وإن كان يلاحظ أن الطريقتين
كثيرا ما تقترنان معا في آيات كثيرة من آيات القرآن الكريم فيخاطب الوجدان و العقل معا.
- مواجهة الإنسان بحقيقة ما يدور في داخل نفسه و قت الشدة من اللجوء إلى الله ونسيان الشركاء، و
من الغفلة والنسيان والبغي في الأرض بغير حق بمجرد زوال الأزمة و نجاته من الخطر. و هي حقيقة
كثيرا ما ينساها الإنسان فيذكره القرآن الكريم بها ليصحح سلوكه تجاه الله، و يستقيم على العقيدة
السليمة.
- مناقشة الانحرافات كلها التي يقع فيها الإنسان نتيجة لجهله، تارة بالدليل العقلي و تارة بالدليل
الوجداني، و دحضها و بيان تفاهتها وعدم قيامها على دليل صحيح.
- التذكير بأن الله مع الإنسان يراقبه و يراه ثم يحاسبه يوم القيامة على ما عمل من خير أو
شر،وإشعار الإنسان بعلم الله الشامل الذي لا يغيب عنه مثقال ذرة في السماوات و لا في الأرض، و لا يخفى عليه من عمل الإنسان شيء.
- إيراد القصص التي تثبت الإيمان، بذكر الأنبياء و صبرهم على الأذى ونصر الله لهم في النهاية.
- رسم الصور المحببة للمؤمنين وصفاتهم و ما ينالهم من اجر وجزاء و الصور المنفرة للكافرين
و ما ينالهم من جزاء
- التذكير الدائم بقدرة الله التي لاتحد، و عظمته و جلاله حتى يخشع القلب و يستسلم لله رب العالمين.

الفوائد و الإرشادات :
- 1 يلفت القرآن الكريم نظر الإنسان لتدبر آيات الله في الكون.
- 2 التذكير بان الله مع الإنسان يراقبه و يراه ثم يحاسبه يوم القيامة على ما عمل من خير أو شر.
- 3 تصحيح سلوك الإنسان تجاه الله، ويستقيم على العقيدة الإسلامية.


* أسئلة التصحيح الذاتي :
قال الله تعالى : ((وَ فِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَات وَ جَنَّات مِّنْ أَعْنَابٍ وَ زَرْعٌ وَ نَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ
صِنْوَانٍ يُسَْقى بِمَاء وَ احِدٍ وَُنفَضِّلُ بَعْضَهَا عََلى بَعْضٍ فِي الأُكلِ إِنَّ فِي َذلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقُِلونَ)).
[الرعد/ 4]،

اقرأ الآية ثم أجب عما يلي:
- 1 استخدم القرآن و سائل كثيرة لتثبيت العقيدة في النفس البشرية اذكر و سيلتين و أشرحهما؟
- 2 بين وجه الإعجاز في خلق الله معتمدا على نص الآية.
- 3 استخرج فائدتين من هذا النص القرآني؟


* أجوبة التصحيح الذاتي :
قال الله تعالى : ((وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَىٰ بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَىٰ بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُون)). [الرعد/ 4

- 1 استخدم القرآن وسائل كثيرة لتثبيت العقيدة في النفس البشرية منها :
- إثارة العقل ليتفكر في خلق الله، ليدرك أن لهذا الكون خالقا، و أنه لا يمكن أن يكون له شريك في
الخلق و لا الرزق و لا في تدبير الأمور.
- التذكير الدائم بقدرة الله التي لا تحد، و عظمته و جلاله حتى يخشع القلب و يستسلم لله رب
العالمين.

- 2 وجه الإعجاز في خلق الله من خلال نص الآية : أن ثمار الأرض تختلف في شكلها وملمسها و
خاصة مذاقها، مع أنها تسقى من ماء واحد، و معلوم أن الشيء الواحد لا ينتج متضادين، فلولا أن
هناك قدرة إلهية تدخلت في هذا الصنع لما و جدنا هذا الاختلاف في الأكل.

- 3 فائدتان من النص القرآني :
أ/ القرآن الكريم يعتمد البراهين العقلية لإثبات قدرة الله تعالى.
ب/ قدرة الله تعالى لا تحدها حدود و لا يعجزها شيء.
____________________________________________________________________________

 الدرس 2 : موقف القرءآن الكريم من العقل : 
- تكريم الله للإنسان بالعقل : لقد عُنِيَ الإسلام بالعقل عناية لم يسبقه إليها دين آخر من الأديان
السماوية، فقد ذكر العقل باسمه و أفعاله في القرآن الكريم زهاء خمسين ( 50 ) مرة، و أما ذكر أولي
الألباب، أي العقول ففي بضع عشرة مرة، و أما كلمة أولي النهى - أي العقول -، فقد جاءت مرة
واحدة في آخر سورة طه. و هذا دليل على اعتبار العقل و منزلته في الرؤية الإسلامية، كما نهى
الشرع عن الاستدلال بالاعتماد على الظنون؛ لأن الظنون لا تغني من الحق شيئًا، و نهى عن إتباع
الهوى و تحكيمه في الاستدلال بالنصوص.

وترجع أهمية العقل في القرآن الكريم إلى الآتي:

- 1 بالعقل ميز الله الإنسان؛ لأنه منشأ الفكر الذي جعله مبدأ كمال الإنسان ونهاية شرفه و فضله على
الكائنات، وبما و هبه من العقل و ما أودعه فيه من فطرة للإدراك و التدبر و تصريف الحياة
والمقدرات و فق ما علمه من نواميسها و أسبابها و مسبباتها، فيعلو و يحسن طواعية و التزاما بالحق،
وينحط و يطغى ويفسد باجتناب الحق و إتباع الهوى... فالعقل الإنساني أداة الإدراك و الفهم والنظر و
التلقي و التمييز و الموازنة بين الخير و النفع و الضرر.

- 2 كذلك فإن العقل بما يملك من طاقات إدراكية أودعها الله فيه ذات دور مهم في الاجتهاد و التجديد
إلى يوم القيامة؛ و ذلك بالنظر إلى انقطاع الوحي، فالعقل له دور في استقراء الجزئيات و الأدلة
التفصيلية التي يجمعها مفهوم معنوي عام، باعتباره مبنى من مباني العدل، و هى الأصول الكلية، و
القواعد العامة التي تستشرف مقاصد و مصالح إنسانية مادية و معنوية يعبر عنها بالحاجات و
المطالب،. و من ثم كان العقل أداة و صل الدين بقضايا الواقع.

- 3 العقل مناط التكليف بخطاب الشارع طلبًا أو كفًّا أو تخييرًا أو وضعًا؛ لأن التكليف خطاب، و
خطاب من لا عقل له و لا فهم محال، فالمجنون، و الصبي الذي لا يميز، يتعذر تكليفه؛ لأن
المقصود من التكليف كما يتوقف على فهم أصل الخطاب، فهو يتوقف على فهم تفاصيله. إذن فعماد
التكليف العقل؛ لأن التكليف خطاب من الله و لا تلقى ذلك الخطاب إلا من يعقل.
- منهجية التفكير كما يبرزها القرآن الكريم: لقد أمرنا الله سبحانه و تعالى بالتدبّر في كتابه و أمرنا
بالتدبّر في كونه و خلقه و شؤونه، أمرًا يأتي في مساق الاستفهام و النفي الإنكاري (( أََف َ لا يََتدَبَّرُونَ
الُْقرْآنَ وََلوْ كَانَ مِنْ عِندِ َ غيْرِ الّلهِ َلوَجَدُوْا فِيهِ اخْتِلاَفًا َ كثِيراً )) [النساء/ 82 ]. و الآية تورّي بطريقة غير مباشرة و تكّني بأن حاصل من لا يتدبر هو الختم على قلبه و العياذ بالله. وهكذا، تصبح الحالة الفكرية السلبية مؤشرًا على الحالة الإيمانية السلبية فيما نفهمه من هذه الآية من الكتاب الكريم.
و ما نلاحظه في آية ( أَفلا يَتدبَرون الُقرآنَ ) من ربط الحالة الإيمانية بالحالة الفكرية، فالذين يتفكرون
في خلق السماوات و الأرض هم الذين يبيتون لربهم قياما و يذكرونه و يخشونه و يخافونه. وليس
المقصود في هذين السياقين مجرد التدبر الإيماني المحض، فهذا من ضرورات تصحيح العقيدة و من
مستلزمات قيامها أص ً لا، و إنما يُراد بذلك أيضا التفكر العقلي الخالص و التأمل الذهني العميق
الذي يفضي المعرفة الصحيحة نجد أن القرآن الكريم يعيد الاعتبار للعقل و يضعه في مقام خاص في
منطلقيه التأسيسيين المنطلق النسقي و المنطلق التاريخي. أما المنطلق النسقي فيتمثل في أول حرف نزل
في القرآن الكريم ألا و هو “اقرأ” فمعنى دلك أن الإيمان بلا اقرأ سيصبح خراف ً ة، و أن الدعوة بلا اقرأ ستصبح تنفيرًا، و أن العبادة بلا اقرأ ستصبح بدع ً ة، و أن الجهاد بلا اقرأ سيصبح إرهابًا.
- حث القرآن على استعمال العقل : أورد القرآن الكريم قصتي إبراهيم في طلبه أن يريه الله كيف يحي
الموتى و وموسى في أن يرى الله تعالى لنتساءل: لماذا عومل النبيان معاملتين مختلفتين قد توحيان
بالنظرة المستعجلة بوجود تمييزٍ أو محاباة. بينما الله سبحانه هو أعدل العادلين و أحكم الحاكمين، و قد
حرّم الظلم على نفسه و جعله محرمًا بيننا، و من مستلزمات تحريم الظلم تحريم المحاباة.
كيف يجرؤ إبراهيم أن يطلب دلي ً لا ماديًا على عظمة الله فيُستجاب له، و يطلب موسى ذلك فلا
يُستجاب له. يقول إبراهيم رب أرني كيف ُتحيي الموتى و يقول موسى ربّ أرني أنظر إليك، فيُقال
لإبراهيم فخذ أربع ً ة من الطير فصُرهنَّ إليك و يُقال لموسى لن تراني.
و الحقيقة أن بعض الناس، ممن يحقِّرون من قيمة العقل في الإسلام، يختار قصة موسى ليستخدمها
ليقول : انظروا.. إن العقل يورد صاحبه المهالك، و لو كان نبيًا. لقد طلب موسى أن يرى الله
فصعق، و لولا أن الله تعالى حوّل غضبه إلى الجبل فاندكّ دكًا لكان موسى هو الذي يتبخر في الهواء
تبخرًا، هكذا يظن ويقول أعداء العقل وخصومه في الإسلام. نعم، لقد تجرأ إبراهيم أن يُعمل عقله و
تجرأ في أن يُفسح لعقله المجال، و تجرأ في أن يُرضي هذا العقل و يطلب إرضاءه من قِبَل الله عز
وجل، و هو خليله وأحد أنبيائه. هذا النبي الكريم سأل الله عز وجل أرني كيف تحيي الموتى فقال له
تعالى أولم تؤمن فقال بلى ولكن ليطمئن قلبي فأجابه تعالى إلى طلبه وقال له فخذ أربع ً ة من الطير
فصُرهن إليك ثم اجعل على كل جبلٍ منهن جزءًا ثم ادعهنَّ يأتينك سعيًا و اعلم أن الله عزيزٌ حكيم.
و قد تتعجب من هذه الجرأة من نبي الله يكّلمه بغير واسطة، و يرفعه إلى مقام الخّلة، و هو يتأكد
تأكدًا كام ً لا أن الله موجود، و أنه هو الذي أوحى إليه و أرسله، فالأمر هنا ليس أمر شك أو ضعف
إيمان، و لا هو أمر اهتزازٍ في العقيدة و لكنه أمر اعتراف بحق العقل في أن يستجيب بمحض منطقه
الخاص لما استجاب إليه العقل بمحض منطقه الخاص.
و قصة إبراهيم و الآيات التي تتحدث عن رؤيته للكواكب المختلفة، نجد أنه عليه السلام عندما أعمل
عقله و طلب الدليل في خلق الله إنما كان يتحسس نعمة العقل الذي هداه أص ً لا إلى الله عز وجل، و
هاهنا مربط الفرس فالعقل يصون الإيمان و ليس خطرًا عليه. إنه العقل التأملي الذي رأى ظاهرة
الأفول و تأمل في نقصها و أدرك أنها لا تليق بإله. بينما كانت صفة قومه أنهم لا يُعملون عقولهم حتى
في لحظة الحقيقة الكبرى و هم يرون أصنامهم لا ترد أذىً و لا تصدُّ فأسًا و لا حتى تصرخ استنجادًا.
- و جوب المحافظة على العقل : و من هذا المنطلق يأتي القرآن في حفظ العقل، سواء من جانب
الوجود ابتداء بتحصيل منفعته أو من ناحية درء المفاسد عنه أو المضار اللاحقة به.
فأحكام حفظ العقل من ناحية الوجود، هي الأحكام التي تقيم أركانه و تثبت قواعده بحيث تثمر منفعته
فكرًا مستقيمًا و علومًا نافعة و معارف صالحة تمكن الأمة من تحقيق مفهوم "الاستخلاف" في الأرض و عمارة الكون و الحياة. ومن هنا شرع طلب العلم و التفكر والنظر و التدبر.
و ليس هناك دليل أسطع من افتتاح الله كتابه الكريم وابتدائه الوحي بهذه الآيات التي تأمر مرتين
بالقراءة على الإطلاق دون تقييد بمقروء مخصوص، وتذكر مادة العلم على إطلاقه أيضًا ثلاث مرات،
قال تعالى: (اْقرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي َ خَل َ ق * َ خَل َ ق الإِنْسَانَ مِنْ عََلقٍ * اْقرَأْ وَرَبُّكَ الأكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالَْقَلمِ عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا َلمْ يَعَْلمْ)[العلق/ 1
و آيات القرآن التي تحث على العلم و النظر في آيات الله في الكون، و التفكر فيها بما يعمق
الإيمان بالله أكثر من أن يتسع لها السياق هنا.
أما حفظ العقل من ناحية ما يدرأ عنه الخلل الواقع أو المتوقع فيتمثل في موقف الإسلام من صور
الغلو و الانحراف الفكري. فأخطر أنواع الانحراف هو انحراف الفكر و البعد به عن القصد إفراطًا أو
تفريطًا، ذلك أن السلوك نابع منه و متأثر به، و لهذا كانت العناية بتقويم الفكر و تصحيح الاعتقاد هي
أول نقطة في أي برنامج من برامج الإصلاح التي جاء بها الأنبياء.
و الانحراف الفكري ينتج عن خلل في البناء الفكري، و هذا الخلل قد يعود إلى الأمور الآتية أو إلى
أحدها :
- 1 الجهل بأصول التشريع: الكتاب، السنة، الإجماع، القياس، أو الإعراض عن الأخذ بهذه الأصول
أو إحداها.
- 2 الجهل بمناهج التعامل مع هذه الأصول، كالجهل بمآخذ الأدلة و أدوات الاستنباط أو الجهل باللغة
العربية - لغة الوحي- و أساليبها، و إجما ً لا بمنهج تحليل نصوص الوحي و استنباط الحكم منها.

الفوائد والإرشادات :
- 1 بالعقل ميز الله الإنسان؛ لأنه منشأ الفكر الذي جعله مبدأ كمال الإنسان و نهاية شرفه و فضله
على الكائنات، و ميزه بالإرادة و قدرة التصرف و التسخير للكون والحياة، بما وهبه من العقل و ما
أودعه فيه من فطرة للإدراك و التدبر.

- 2 العقل الإنساني و سيلة الإنسان إلى إدراك فحوى الوحي و وضعه موضع الإرشاد و التوجيه لعمل
الإنسان و بناء الحياة و نظمها و إنجازاتها بما يحقق غاية الوحي و مقاصده. فبغيره لا يتم تنزيل النص
على الواقع.

- 3 العقل يملك من طاقات إدراكية أودعها الله فيه ذات دور مهم في الاجتهاد و التجديد إلى يوم
القيامة؛ و ذلك بالنظر إلى انقطاع الوحي، فالعقل له دور في استقراء الجزئيات و الأدلة التفصيلية.

- 4 عماد التكليف العقل؛ لأن التكليف خطاب من الله و لا يَتلقى ذلك الخطاب إلا من يعقل.

* أسئلة التصحيح الذاتي :

- 1 استخرج من القرآن الكريم نصوصا تتحدث عن و جوب النظر في الكون و التفكر فيه.
- 2 طلب إبراهيم عليه السلام دلي ً لا ماديًا على عظمة الله فاستجاب الله له، طلب موسى عليه السلام
ذلك فلا يُستجاب له. قال إبراهيم عليه السلام (( رب أرني كيف ُتحيي الموتى )) و قال موسى
عليه السلام (( ربّ أرني أنظر إليك ))، فيُقال لإبراهيم (( فخذ أربع ً ة من الطير فصُرهنَّ إليك ))
و يُقال لموسى (( لن تراني )).


- كيف تفسر ذلك و لماذا في رأيك :

* أجوبة التصحيح الذاتي :

- 1 نصوص قرآنية تتحدث عن وجوب النظر في الكون و التفكر فيه :

( (ُقلِ اْنظرُوا مَا َذا فِي السَّمَاوَاتِ وَ اْلأَرْضِ وَ مَا ُتغنِي اْلآيات وَ النُُّذرُ عَنْ َقوْمٍ لا يُؤْمُِنونَ) (يونس: 101
(هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً َفأَخرَجَْنا بِهِ َنبَات ُ كلِّ َ شيْءٍ َفأَخرَجَْنا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مَُترَاكِباً وَ مِنَ النَّخْلِ مِنْ َ طْلعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَة وَ جَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَ الزَّيُْتونَ وَ الرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مَُتشابِهٍ اْن ُ ظرُوا إَِلى َثمَرِهِ إِ َذا أَثْمَرَ وَ يَنْعِهِ إِنَّ فِي َذلِكمْ َلآياتٍ لَِقوْمٍ يُؤْمُِنونَ) (الأنعام: 99

- 2 طلب إبراهيم عليه السلام دلي ً لا ماديًا على عظمة الله فاستجاب الله له، طلب موسى عليه السلام
ذلك فلا يُستجاب له.

- أن العقل له مجال يجوز له أن يتدخل فيه، و هي المسائل التجريبية، و الأدلة النظرية، أما
المسائل الغيبية التي تخرج عن نطاقه فلا يجوز له أن يتدخل فيها، بل يجب أن يسلم حقيقة أمرها إلى علم الله. و السبب واضح وهو أن مثل هذه المجالات الأخيرة لا تخضع لمنطق العقل، و إذا خاض فيها العقل، فإنه سيزل و يضل.
____________________________________________________________

الدرس 3 : الصحة النفسية والجسمية في القرآن الكريم :
..

الإنسان مخلوق ضعيف ((وَ ُ خلِق الإِنسَانُ ضَعِيفا)) [النساء/ 28 ] و يرجع ضعفه إلى خصائص فيه و إلى خصائص في البيئة التي تؤويه فمهما تعاظم الإنسان فلن يخرق الأرض و لن يبلغ الجبال طولا.. و
مهما تزايدت قوته فلن يكون أقوى من الريح التي تعصف أو الرعد الذي يبرق أو البحر الذي يزبد أو
غيرها من قوى الطبيعة التي تغلبه لا محالة و رغم هذا فهو في حاجة إليها في طعامه و شرابه و
ملبسه و مسكنه و موطنه وملعبه و غير ذلك مما يميزه عن الطبيعة من حوله.

أولا : الصحة النفسية :
هي أن يكون الإنسان طبيعيا. و يفترض أن الإنسان في العادة يكون سويا و أن السواء بهذا ظاهرة
عامة و على هذا فإن السلوك يكون في حدود الطبيعي عندما لا توجد مؤشرات على سلوك شاذ
والصحة لهذه الصورة هي الممارسة الطبيعية للحياة. و يعتبر المرض هو الانحراف عن مسار الصحة
النفسية و الجسمية.
و المفهوم القرآني للصحة النفسية هو أقرب إلى هذا المفهوم الذي يلزم المسلم بما يلي:
- 1 الصحة الجسمية : (المؤمن القوي خير و أحب إلى الله من المؤمن الضعيف) [رواه : مسلم]،
(علموا أولادكم الرماية والسباحة و ركوب الخيل) [رواه : البيهقي].
- 2 الصحة الروحية : من خلال تصحيح العقيدة ومن خلال التفاعل من مكونات النفس (النفس الأمارة
- النفس اللوامة).
- 3 المجتمع وسلامته : فالإسلام يهتم بالتربية بالتركيبات الاجتماعية المختلفة كالأسرة و الجماعة.
و بالتالي فالتفاعل بين هذه المكونات هو المفهوم القرآني الذي يؤدي في النهاية إلى صحة نفسية للفرد
المسلم.
- مفهوم النفس في القرآن الكريم : إن النفس في القرآن وردت بمفهوم الذات قال الله تعالى : ((وَ إِ ْ ذ
َقالَ مُوسَى لَِقوْمِهِ يَا َقوْمِ إِنَّكمْ َ ظَلمُْتمْ أَنُفسَكمْ بِاتِّخَاذِكُمُ اْلعِجْلَ َفُتوبُوْا إَِلى بَارِئِكمْ َفاْقُتُلوْا أَنُفسَكمْ َذلِكمْ خَيْرٌ
لَّكمْ عِندَ بَارِئِكمْ فَتَابَ عََليْكمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)). [البقرة/ 54

و قد ورد في القرآن صنوف النفس و هي جزء من مكونات النفس. و هي:
.[ - النفس الأمارة ((إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارٌَة بِالسُّوءِ)). [يوسف/ 53
.[ - والنفس اللوامة : و قد أقسم بها الله ((وََلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ))[القيامة/ 2
وقد ذهب المفهوم القرآني خطوة أوسع فاعتبر أن السلوك هو محل الحكم ((َفأَصْحَابُ الْمَيْمََنةِ مَا
أَصْحَابُ اْلمَيْمََنةِ، وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ اْلمَشأَمَةِ، وَالسَّابُِقونَ السَّابُِقونَ،أُوَْلئِكَ الْمُقَرَّبُونَ))
11 ]. 
و في تقويمنا لسلوك الآخرين فإن الإسلام اتجه إلى التقدير على ظاهر السلوك - [الواقعة/ 8
"أمرت أن آخذ الناس بالظواهر و على الله البواطن " بينما اتجه التحليل النفسي إلى البحث عن الدوافع
و تقويمها في اللاوعي الأمر الذي يوقع الإنسان في كثير من الأخطاء لأن ما بالداخل ما هو إلا دليل
قطعي عليه و ما هو إلا رأي الباحث وظنه.
و في صراع الإنسان النفسي بين النفس الأمارة و اللوامة فإنه يصل في النهاية إلى تغليب جانب الخير
في نفسه و هنا يصل إلى درجة من الاطمئنان النفسي يؤكدها إيمانه بالله و غيبه وقضائه و قدره و
اليوم الآخر و الملائكة و النبيين. و هنا تصبح ذاته مطمئنة تستحق أن توصف بلفظ (النفس
المطمئنة) فإن النفس المطمئنة هدف يقصده كل إنسان خروجا من الصراع النفسي الذي يعيشه.
المشاعر الداخلية و النية الحقيقية من ناحية و السلوك الخارجي العام كيف يحقق الإسلام الصحة النفسية
يحقق منهج الإسلام أركان الصحة النفسية في بناء شخصية المسلم بتنمية هذه الصفات الأساسية :

- 1 قوة الصلة بالله : و هي أمر أساسي في بناء المسلم في المراحل الأولى من عمره حتى تكون
حياته خالية من القلق و الاضطرابات النفسية.

- 2 الثبات و التوازن الانفعالي : الإيمان بالله يشيع في القلب الطمأنينة و الثبات و الاتزان ويقي
المسلم من عوامل القلق و الخوف و الاضطراب... قال تعالى ((يُثَبِّت اللّهُ الَّذِينَ آمَُنوْا بِاْلَقوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّْنيَا وَفِي الآخِرَةِ)) [إبراهيم/ 27 ]، ((َفمَن َتبِعَ هُدَايَ َفلا خَوْف عََليْهِمْ وَ َ لا هُمْ يَحْزَُنونَ)).
.[ [البقرة/ 38 ]. ((هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِيَنة فِي ُقُلوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ)). [الفتح/ 4

- 3 الصبر عند الشدائد : يربي الإسلام في المؤمن روح الصبر عند البلاء عندما يتذكر قوله تعالى :
((وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَُقوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَُّقونَ)) [
،[ البقرة/ 177
و قول الرسول صلى الله عليه و سلم : (عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير و ليس ذلك لأحد إلا
للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له و إن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له) [رواه مسلم].
ا
- 4 المرونة في مواجهة الواقع : و هي من أهم ما يحصن الإنسان من القلق أو الاضطراب حين يتدبر
قوله تعالى: ((وَعَسَى أَن َتكرَهُوْا َ شيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكمْ وَعَسَى أَن ُتحِبُّوْا َ شيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنُتمْ لا َتعَْلمُونَ)) [البقرة/ 216

- 5 التفاؤل وعدم اليأس : فالمؤمن متفائل دائما لا يتطرق اليأس الى نفسه فقد قال تعالى : ((وَ َ لا
َتيْأَسُوْا مِن رَّوْحِ الّلهِ إِنَّهُ َ لا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ الّلهِ إِلاَّ اْلَقوْمُ اْلكافِرُون)) [يوسف/ 87 ] ويطمئن الله المؤمنين
بأنه دائمًا معهم، إذا سألوه فإنه قريب منهم ويجيبهم إذا دعوه، ((وَإَِذا سَأََلكَ عِبَادِي عَنِّي َفإِنِّي قَرِيبٌ
أُجِيبُ دَعْوََة الدَّاعِ إَِذا دَعَانِ َفْليَسَْتجِيبُوْا لِي وَْليُؤْمُِنوْا بِي َلعَلَّهُمْ يَرْشدُونَ)) [البقرة/ 186 ] وهذه قمة الأمن
النفسي للانسان.

- 6 توافق المسلم مع نفسه : حيث انفرد الإسلام بأن جعل سن التكليف هو سن البلوغ للمسلم و هذه
السن تأتي في الغالب مبكرة عن سن الرشد الاجتماعي الذي تقرره النظم الوضعية و بذلك يبدأ المسلم
حياته العملية و هو يحمل رصيدًا مناسبًا من الأسس النفسية السليمة التي تمكنه من التحكم و
السيطرة على نزعاته و غرائزه و تمنحه درجة عالية من الرضا عن نفسه بفضل الإيمان و التربية الدينية الصحيحةالتي توقظ ضميره و تقوي صلته بالله.

- 7 توافق المسلم مع الآخرين : الحياة بين المسلمين حياة تعاون على البر و التقوى، و التسامح هو
الطريق الذي يزيد المودة بينهم و يبعد البغضاء، و كظم الغيظ و العفو عن الناس دليل على تقوى
الله و قوة التوازن النفسي : (( وَلا َتسَْتوِي الْحَسََنة وَ لا السَّيِّئَة ادَْفعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ َفإَِذا الَّذِي بَيَْنكَ وَ
بَيْنَهُ عَدَاوٌَة َ كأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ، وَ مَا يَُلقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَ مَا يَُلقَّاهَا إِ ّ لا ُذو حَظٍّ عَظِيم )) [فصلت / 34
.[35 -

- 8 التزكية و الأخلاق: ما أجمل أن يحيا الإنسان بين قوم يحبهم ويحبونه، و يألفهم ويألفونه، و حين
يفقد الإنسان هذا الحب في بيئته و مجتمعه فإنه يعيش في جحيم و تعاسة و عذاب نفسي و إن ملك الدنيا
كلها؛ لذلك لم يكن غريبًا أن يأتي الرجل من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم فيقول: (دلني على
عمل إذا عملته أحبني الله و أحبني الناس) [رواه : ابن ماجه]. و قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه
وسلم : ((َفبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ الّلهِ لِنت َلهُمْ وَ َلوْ ُ كنت َفظاً َ غلِيظ اْلَقْلبِ َ لانَفضُّوْا مِنْ حَوْلِكَ)) [آل عمران/
.[159
ثانيا : الصحة الجسمية :

الإنسان في القرآن الكريم هو خليفة الله في الأرض، و هو مخلوقه المكرم الذي أمر الملائكة فسجدت
له، وسخر له الأرض ليبني فيها و يعمر، هذه القيمة العظمى للإنسان في نظر الإسلام هي التي فرضت
إحاطة مخلوق الله المكرم بسياج من الضمانات التي قررتها الآيات القرآنية و الأحاديث النبوية، لدرجة
أن العدوان على الإنسان هو اعتداء على المجتمع بأسره. و الصحة الجسمية في نظر القرآن الكريم
ضرورة إنسانية، و حاجة أساسية و ليست ترفا، أو أمرا كماليا، و لحياة الإنسان حرمتها، و لا يجوز
التفريط بها، أو إهدارها، قال تعالى : ((مِنْ أَجْلِ َذلِكَ َ كَتبَْنا عََلى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن َقَتلَ نَفْسًا بِغيْرِ
. َنفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ َفكأَنَّمَا َقَتلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا َفكأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا)) [المائدة/ 32

- مظاهر عناية القرآن بصحة البدن : الإنسان مكون من جسد وروح، فبالجسد يتحرك الإنسان و
يحس، و بالروح يدرك و يعي، و يحب و يكره، و لكل من الجسد و الروح مقوماته و رغائبه،
فمقومات الجسد و رغائبه هي الطعام والشراب و غيرهما من الشهوات المادية واللذائذ الحسية، و قد
تعرض القرآن الكريم لهذه المقومات و الرغائب بالتهذيب للمحافظة على صحة الأجسام، فقد ورد في
القرآن الكريم و السنة النبوية المطهرة تعاليم واضحة للمحافظة على الصحة، أما مظاهر المحافظة على
الصحة فهي :

أ- تنمية القوة و توفير الصحة الإيجابية بمفهومها الحديث : إن صحة الأجسام و جمالها و نضرتها من
الأمور التي وجه الإسلام إليها عناية فائقة، واعتبرها من صميم رسالته.

ب- الإعفاء من الفروض : و إلى جانب تنمية قوة الجسم بصوره الإيجابية المختلفة، بمختلف أنواع
ألعاب القوى التي يعرفها العصر، فقد اهتم الإسلام بعدم تعريضصحة الأجسام إلى ما يضعفها، فقد أسقط في
ظروف خاصة، الفروضأو خفضها، و ذلك إذ أباح للمسافر فوق مسافة معينة الإفطار في الصيام، قال تعالى : ((َفمَن شهِدَ مِنكُمُ الشَّهرَْ فَلْيَصُمهُْ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عََلى سََفرٍ فَعِدٌَّة مِّنْ أَيَّامٍ أُخرَ)) [البقرة/ 185 ]. هذا وقد نهى القرآن الكريم
.[ عن إتعاب الجسم و إنهاكه فقال الله تعالى ((وَ َ لا َتْقُتُلوْا أَنُفسَكمْ إِنَّ الّلهَ كَانَ بُِكمْ رَحِيمًا)) [النساء/ 29

ج - دعا الإسلام إلى تطبيق أسس الرعاية الصحية الثلاثة و هي الوقاية والعلاج والتأهيل كما أن الإسلام اعتنى بتنمية قوة الجسم، صحته، كذلك أوجب وقاية الجسم من حدوث الأمراضنتيجة لإهمال في قواعد الصحة العامة أو لتفريط في طعام أو شراب، أو لانغماس في ملذات حسية تضر بالصحة.

د - الوقاية من الأمراض: ففي مجال الصحة الشخصية كرم الإسلام جسم الإنسان، فجعل طهارته
التامة أساسا لابد منه لكل صلاة، و جعل الصلاة واجبة خمس مرات في اليوم، و كلف المسلم أن يغسل
جسمه كله غسلا جيدا ني أحيان كثيرة، وربط هذا الغسل بالعبادات، فلا تصح العبادة بدونه.
وفي الأحوال المعتادة اكتفى بغسل الأعضاء والأطراف التي تتعرض لغبار الجو ومعالجة شتى
الأشغال الحياتية، أو التي يكثر الجسم إفرازاته منها.
قال تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَُنوْا إَِذا ُقمُْتمْ إَِلى الصَّلاةِ فاغسُِلوْا وُجُوهَكمْ وَأَيْدِيَكمْ إَِلى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوْا بِرُؤُوسِكمْ وَأَرْجَُلكمْ إَِلى اْلكعْبَينِ وَإِن كنُتمْ جُُنبًا َفاطَّهَّرُوْا)) [المائدة/ 6
و لن يتخذ الإلزام بالتطهر طريقة أقرب و أقوم من هذه التي شرع الإسلام لأنها تجعل المرء يعاود
الغسل و الوضوء، و لو كان نظيفا.
و من باب الوقاية من الأمراض حرم الإسلام شرب الخمر، لما لها من مضار على الصحة قال تعالى:
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَُنوْا إِنَّمَا اْلخمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ َلعَلَّكمْ
ُتفْلِحُونَ))[المائدة/ 90 ]. هذا بالإضافة إلى مضارها على المجتمع فهي أم الكبائر.
و بالقياس فإن الإسلام يحرم تناول العقاقير و الأدوية التي تذهب بالعقل، كالحشيش و غيرها من
المواد...
و من باب الوقاية من الأمراض- فقد نهى الإسلام عن الإسراف في الطعام، قال تعالى: ((و ُ كُلوْا
[ وَا ْ شرَبُوْا وَ لا ُتسْرُِفوْا إِنَّهُ َ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)) [الأعراف/ 31
ومن باب الوقاية من الأمراض فقد حرم الإسلام المتعة غير الشرعية إذ حرم الزنى لأنه يسبب أمراضا
معدية كثيرة، تفتك بجسم الإنسان، قال تعالى: ((وَ َ لا َتقْرَبُوْا الزَِّنى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشةً وَسَاء سَبِيلا))
.[ [الإسراء/ 32
الفوائد والإرشادات :

- 1 لقد اعتنى القرآن الكريم بصحة الإنسان سواء كانت نفسية أو جسمية.
- 2 النفس في القرآن الكريم إما نفس أمارة أو نفس لوامة أونفس مطمئنة.
- 3 اعتنى القرآن الكريم بالصحة الجسدية فدعى إلى تنمية القوة و توفير الصحة الإيجابية و إعفاء
المسلم من بعض الواجبات الدينية عند المرض...
- 4 دعوة القرآن الإنسان إلى تطبيق الأسس الصحية من وقاية و علاج و تأهيل.

* أسئلة التصحيح الذاتي :

تؤكد الإحصاءات العالمية أن نسبة الانتحار تزايدت في الآونة الأخيرة على مستوى العالم و خاصة
العالم المتقدم.. و تزداد هذه النسبة في الدول التي يتمتع فيها الفرد بأعلى مستوى معيشة في العالم.
- 1 ما هي الحلول التي وضعها الإسلام لعلاج هذه المشكلة الإنسانية؟
- 2 للعبادات من صلاة و صيام وزكاة وحج اثر كبير في علاج حالات التوتر والقلق و الاكتئاب و
ضح ذلك في بضعة اسطر؟
- 3 كرم الإسلام جسم الإنسان، فجعل طهارته التامة أساسا لا بد منها لكل عبادة بين ذلك موضحا
أثرها على الصحة الجسمية ؟

* أجوبة التصحيح الذاتي :
- 1 الحلول التي و ضعها الإسلام لعلاج مشكلة الانتحار :
أ/ جعل الإيمان بقضاء الله و قدره ركنا من أركان الإيمان، و لا يصح إيمان المرء حتى يؤمن بأن ما
أصابه ما كان ليخطئه، و ما أخطأه ما كان ليصيبه، و أن الكل بتقدير من الله تعالى.

ب/ أوجب على المسلم بأن يعتقد بأن هناك يوما سيجمع الله فيه الخلائق، فالدنيا ليست نهاية المطاف، و
سيستريح الإنسان من همومه بمجرد أن يخرج منها بالموت.

ج/ حرم الانتحار، و اعتبر المقدم عليه من أهل النار.

- 2 للعبادات من صلاة و صيام وزكاة وحج اثر كبير في علاج حالات التوتر و القلق و الاكتئاب :
إن العبادات بارة عن غذاء الروح، فكما أن الجسد يهزل و تصيبه الأمراض إذا لم ينل حظه من
الطعام، فكذلك الروح يصيبها الهزال و المرض إذا لم تنل حظها من الغذاء، و مرض الروح هو التوتر
و القلق و الاكتئاب، و أما طعامها فهو الأنس بالله، و مناجاته والشكوى له و دعاءه، و لا تجد الروح
مثل هذا الغذاء إلا في العبادات.

- 3 كرم الإسلام جسم الإنسان، فجعل طهارته التامة أساسا لا بد منها لكل عبادة : و يظهر ذلك جليا
في اشتراط الوضوء خمس مرات في اليوم لأداء الصلاة، كما يظهر أيضا في إيجاب الغسل من
الجنابة، و استحباب غسل الجمعة.
__________________________________________________________________
الدرس 4 : القيم في القرءآن الكريم : 
في القرآن الكريم الكثير من القيم الفردية و الاجتماعية التي حثنا القرآن على التمسك بها مما يؤدي إلى
أنسجام المجتمع و تعاونه و استباب الطمأنينة في صفوف أفراده ومن هذه القيم ما يلي :

أولا : القيم الفردية

- 1 خلق الرحمة : الرحمة من صفات الله تعالى : قال تعالى(وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ ُ كلَّ َ شيْءٍ َفسَأَكُتبُهَا
لِلَّذِينَ يَتَُّقونَ وَيُؤُْتونَ الزَّكاَة وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِنَا يُؤْمُِنونَ)) [الأعراف/ 156 ]
. وقال تعالى: (( َ كَتبَ رَبُّكمْ عََلى َنفْسِهِ الرَّحْمَ َ ة)). [الأنعام/ 12 ].، 
و عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله لما قضى الخلق كتب عنده فوق عرشه: إن رحمتي سبقت غضبي) [رواه :البخاري ومسلم].
- الرحمة من صفات المؤمنين: قال تعالى: ((ُثمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آَمَُنوا وََتوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وََتوَاصَوْا
بِالْمَرْحَمَةِ)) [البلد/ 17
- حض المؤمنين على التحلي بالرحمة : عن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم : (الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء الرحم شجنة من
الرحمن فمن وصلها وصله الله ومن قطعها قطعه الله) [رواه : الترمذي]

- 2 الصبر : الصبر هو نصف الإيمان، و ذلك لأن الإيمان نصفه صبر و النصف الآخر شكر، و
قد ُذكِر الصبر في القرآن في تسعين موضعًا في موطن المدح والثناء و الأمر به، و هو أنواع:
أ. الصبر على طاعة الله، و هو أفضلها.
ب. الصبر عن معصية الله عز وجل، و هو يلي النوع الأول في الفضل.
ج. الصبر على الابتلاء.

- 3 الإحسان : و للإحسان أهمية كبرى من الناحية الإنسانية، فهو الأسلوب العملي في تقديم الخير
للآخرين، من موقع الحق الذي يمتلكونه في ذاك الخير، أو من موقع العطاء الذاتي. فإن الله يريد أن
تنطلق العلاقات بين الناس على أساس حب الخير وروح العطاء، فقد أ ّ كد الإسلام في أكثر من آية على
أن لصاحب الحق أن يأخذ حقه، ولكنه أحبَّ للإنسان من موقعه كصاحب حق أن يعفو و يسامح و
يتنازل، على أساس الإحسان. و ربما كان هدف التقارن بين العدل و الإحسان، من أجل تأكيد الحق
لصاحبه وتركيز العدل على أساسٍ ثابتٍ في التشريع من جهة، و من أجل تخفيف النتائج القاسية للعدل
بإفساح المجال للإحسان لكي يخفف من حدّته، بحيث يتحقق التوازن في حياة المجتمع و في بناء
الشخصية الإسلامية على أساسٍ من العدالة والتسامح.

ثانيا : القيم الأسرية

- 1 المودة و الرحمة : اللطف في المعاملة أساس سعادة الأسرة و هي واحد من المكونات الرئيسية
لنمو أي مشاعر دافئة بين شخصين و في الحقيقة قد يكون اللطف في المعاملة هو مركز العلاقة
الزوجية، و للكرم في المعاملة فوائد كثيرة بداية من حرص الشريك على حميمية العلاقة مع شريكه
و اهتمامه به عندما تكون الأمور على ما يرام، و حتى حفظ المناقشات من التحول إلى شجار.
و ليس معنى أن تكون لطيًفا في معاملتك، أن تبتسم حين لا تشعر بالميل للابتسام أو أن تتصرف بتفاؤل
في حين أنك تشعر باكتئاب، و لكن اللطف في المعاملة هو أن 'تعامل شريكك بما تحب أن يعاملك به'.
وأفضل الطرق لتعليم الآخرين فن اللطف في المعاملة إنما يكون من خلال ابتدائهم باللطف أو ً لا فإن
اللطف له أثر حسن في استقامة الناس.
ثالثا : القيم الاجتماعية

- 1 التعاون : لقد دعا القرآن الكريم الأفراد إلى التعاون الجماعي إذ أ ّ كد أن المؤمن للمؤمن كالبنيان
المرصوص يشد بعضه بعضا، و أن يد الله مع الجماعة، و دعاهم إلى أن يتعاونوا على البر والتقوى،
فقال الله تعالى ((وََتعَاوَُنواْ عََلى الْبرِّ وَالتَّْقوَى وَ َ لا َتعَاوَُنوْا عََلى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَُّقوْا الّلهَ إِنَّ الّلهَ شَدِيدُ
اْلعَِقاب)) [المائدة/ 2] و قد حث الجماعات على أن تمد جماعيًا يد العون و المساعدة إلى الفرد المحتاج
عند الاقتضاء. و لكن هذا التعاون الجماعي لم يبلغ من الأهمية والتنظيم ما بلغه التعاون الفردي أو
العائلي لأن هذين النوعين من التعاون قد سدا مسده و حجباه فع ً لا في حالات كثيرة، و ذلك لأن
الروابط الفردية و العائلية قد أحكمهما الإسلام و قوى أواصرهما تقوية فعالة، ثم كانت المساعدة
الاجتماعية فالإسلام يسد كل نقص في هذين النوعين أيضًا.
وقال الله تعالى: (( إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتَِنا الَّذِينَ إَِذا ُذكِّرُوا بِهَا َ خرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ َلا
يَسَْتكبِرُونَ، َتَتجَاَفى جُُنوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَْقَناهُمْ يُنفُِقونَ))[السجدة/ 15
16 - ] فقد حصر الله سبل الإيمان بالقرآن الكريم بالسجود للآيات عند ذكرها و التسبيح بحمده تعالى
دون تكبر و تطاول و التعبد خوفًا منه و طمعًا برحمته و كذلك بالإنفاق مما يرزق عباده و بذلك أعطى
للناس صورة للتضامن الدائم بين الأفراد.
و يقرر القرآن الكريم كذلك: أن الذين ينفقون مما عندهم من أموال على الفقراء و المحتاجين كأنهم
يمارسون تجارة أكيدة الربح دائمة المكسب و هم فيها رابحون لا محال ((إِنَّ الَّذِينَ يَتُْلونَ كَِتابَ اللَّهِ
وَأََقامُوا الصََّلاَة وَأَنَفُقوا مِمَّا رَزَْقَناهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَة يَرْجُونَ تِجَارًَة لَّن َتبُورَ، لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ))[فاطر/ 29

نخلص من ذلك إلى القول بأن الإسلام قد اهتم اهتمامًا كبيرًا بالتعاون الاجتماعي بين الناس من أجل ضمان معيشة المحتاجين و المعوزين، و نشر فيهم تثقيفًا عامًا
لنشر تحقيق التعاون المعيشي بين الناس.

- 2 التكافل الاجتماعي : إن التكافل الاجتماعي في الإسلام يعد غاية أساسية تتسع دائرته حتى تشمل
جميع البشر مؤمنهم و كافرهم فقد قال الله تعالى : ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا َ خَلقَْنا ُ كم مِّن َذ َ كرٍ وَأُنَثى وَجَعَْلَناكمْ شعُوبًا وَقَبَائِلَ لَِتعَارَُفوا إِنَّ أَكْرَمَكمْ عِندَ اللَّهِ أَْتَقاكمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ))[الحجرات/ 13 ]. 

والتكافل يتدرجليشمل الإنسانية جمعاء حيث يبدءالإنسان المسلم بدائرته الذاتية ثم دائرته الأسرية ثم محيطه الاجتماعي
...
* التكافل بين المرء وذاته: الإنسان مسؤول عن نفسه أولا فهو مسؤول عن تزكيتها و تهذيبها
وإصلاحها و دفعها إلى الخير وحجزها عن الشر. قال الله تعالى : ((وََنفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا، َفأَْلهَمَهَا ُفجُورَهَا
وََتْقوَاهَا،َقدْ أَفَْلحَ مَن زَكَّاهَا، وََقدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا))[الشمس/ 7
] كما أنه مسؤول عن حفظها ورعاية صحتها و تمتعها في حدود المباح. و قال الله تعالى : ((وَابَْتغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرََة وََلا َتنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّْنيَا وَأَحْسِن َ كمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إَِليْكَ وََلا َتبْغِ الْفَسَادَ فِي اْلأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ َلا يُحِبُّ اْلمُْفسِدِينَ))
.[ [القصص/ 77

* التكافل داخل الأسرة : لقد أكد الإسلام على التكافل بين أفراد الأسرة و جعله الرباط المحكم
الذي يحفظ الأسرة من التفكك و الانهيار.
ويبدأ التكافل في محيط الأسرة من الزوجين بتحمل المسؤولية المشتركة في القيام بواجبات الأسرة و
متطلباتها كل بحسب وظيفته الفطرية التي فطره الله عليها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (الرجل
راع في بيته و مسؤول عن رعيته و المرأة راعية في بيت زوجها و مسؤولة عن رعيتها) [رواه :
البخاري و مسلم].
و يأتي تقسيم و توزيع المسؤوليات داخل البيت بين الرجل و المرأة بما يضمن قيام الأسس المادية و
المعنوية التي تقوم عليها الأسرة فالله سبحانه و تعالى يخاطب أرباب الأسر رجالا ونساء بقوله : ((
.[ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَُنوا ُقوا أَنُفسَكمْ وَأَهْلِيكمْ َناراً وَُقودُهَا النَّاسُ وَاْلحِجَارَُة )) [التحريم/ 6
التكافل داخل الجماعة : لقد أقام الإسلام تكافلا مزدوجا بين الفرد و الجماعة فأوجب على كل منهما
التزامات تجاه الآخر و مازج بين المصلحة الفردية و المصلحة العامة بحيث يكون تحقيق المصلحة
المسلم مسؤول تضامنيا عن حفظ النظام العام و عن التصرف الذي يمكن أن يسيء إلى المجتمع أو
يعطل بعض مصالحه قال الله تعالى :
((وَاْلمُؤْمُِنونَ وَاْلمُؤْمَِنات بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَة
وَيُؤُْتونَ الزَّكاَة وَيُطِيعُونَ الّلهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ الّلهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)) [التوبة/ 71
رابعا : القيم السياسية

- 1 العدل : قال سبحانه وتعالى في القرآن المجيد ((إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي اْلُقرْبى
وَيَنْهى عَنِ اْلَفحْشاءِ وَاْلمُْنكرِ وَالْبَغْيِ)) [النحل/ 90 ]. فللعدل مساحته الواسعة في العلاقات الإنسانية،
الكلمات والمواقف، ففي كل موقعٍ من مواقع الحياة عدلٌ و ظلم، و لم يؤكد الإسلام على شيءٍ كما أ ّ كد
على العدل، فقد اعتبره الهدف الكبير لجميع الرسالات الإلهية، و قد تحدث عنه في الكلمة العادلة التي
لا تحابي أحدًا حتى لو كان ذا قربى، و في الموقف العادل، حتى إذا كان لمصلحة العدو ضد الصديق،
والحكم العادل لكل إنسان، و في أيّ موقف، بعيدًا عن صفته الدينية وموقعه الاجتماعي، و انتمائه
الجغرافي و القومي و العرقي، ذلك أن المرجع الوحيد في هذا الشأن هو الحق الذي يمتلكه صاحبه.
فيجب أن يُعطى صاحب الحق، حتى لو كان كافرًا، أما من عليه الحق، أو من ليس له حق، فيجب أن
يخضع للحق، حتى لو كان مسلمًا، وهذا هو شعار الدنيا، كما هو شعار الآخرة في قوله تعالى: ((الْيَوْمَ
ُتجْزَى ُ كلُّ َنفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ َ لاظلْمَ الْيَوْمَ )) [غافر/ 17
و لعل أهمية تأكيد الإسلام على العدل كقيمةٍ إنسانيةٍ عامّة، أنه يريد للإنسان أن يعيش العدل في نفسه
كإحساس وشعور، و أن يرفض التعاطف مع الظالم و إعانته، لأنه يسعى لإدخال العدالة في التركيبة
الشخصية للإنسان المسلم التقي الذي يصنعه، لذا فهو يرفض الظلم كإحساس كما يرفضه كموقف.

.... - 2 الشورى : ثلاثة نصوص في القرآن الكريم تتحدث عن الشورى، و لكن على مستويات
مختلفة:
النصّ الأول : قوله تعالى في شأن الرضاع : ((وَاْلوَالِدَات يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوَْليْنِ كَامَِليْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن
يُتِمَّ الرَّضَاعَة وَعَلى الْمَوُْلودِ لَهُ رِزُْقهُنَّ وَكِسْوَُتهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ َ لا ُتكَلَّف نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا َ لا تُضَآرَّ وَالِدٌَة
بِوََلدِهَا وَلا مَوُْلودٌ لَّهُ بِوََلدِهِ وَعََلى الْوَارِثِ مِثْلُ َذلِكَ َفإِنْ أَرَادَا فِصَالا عَن تَرَاضٍ مِّْنهُمَا وَتَشَاوُرٍ َفلا جُنَاحَ
عََليْهِمَا...)) [البقرة/ 233
و هذا حديث في أجواء الأسرة الواحدة، يتشاور الأبوان في شأن و ليدهما الرضيع، هل ُتتمّ أمه
رضاعه إلى الحولين، أم تفصله عن الرضاع ؟ تفاهم ثنائي في مسألة على ضوء المعرفة بحال الأم و
حال الرضيع، وجوّ الأسرة العامّ، ينتهي إلى قرار مشترك لا إكراه فيه.
و ربما انتهى قرارهما بعد التشاور إلى أن يسترضعا له مرضعة غير أمه، قال تعالى: ((وَإِنْ أَرَدتُّمْ
أَن َتسَْترْضِعُوْا أَوْلادَكمْ َفلا جُنَاحَ عََليْكمْ إَِذا سَلَّمُْتم مَّا آَتيُْتم بالمَعْرُوفِ وَاتَُّقوْا الّلهَ وَاعَْلمُوْا أَنَّ الّلهَ بِمَا
تَعْمَُلونَ بَصِيرٌ))[البقرة/ 233
النصّ الثاني : قال الله تعالى : ((َفبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ الّلهِ لِنت َلهُمْ وََلوْ ُ كنت َفظاً َ غلِيظ اْلَقْلبِ َ لانَفضُّوْا مِنْ
حَوْلِكَ فَاعْف عَْنهُمْ وَاسَْتغفِرْ َلهُمْ وَ َ شاوِرْهُمْ فِي الأَمرِْ َفإَِذا عَزَمْت َفَتوَكَّلْ عََلى الّلهِ إِنَّ الّلهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)) [آل
.[ عمران/ 159
في الحديث عن غزوة ُاحد و ما انتهت إليه من هزيمة القسم الأعظم من جيش المسلمين و تركهم النبيّ
صلى الله عليه و سلم مع بضعة نفر من أصحابه يكافحون العدوّ لوحدهم، ممّا هو مدعاة لإشعارهم
بتقصيرهم الشديد و ذنبهم الكبير الذي ارتكبوه، خصوصًا و أنّ النبيّ صلى الله عليه و سلم لم يخرج
إلى ُاحد إ ّ لا برأيهم لكنّ الذي و جدوه من النبيّ القائد صلى الله عليه وسلم هو عكس ما يظّنون ممّا هو
معتاد لدى القادة إزاء الجند المنهزم! وجدوا منه صلى الله عليه وسلم لينًا معهم وإكرامًا زادهم شعورًا
بالتقصير حين لم يلجئهم إلى التماس الأعذار.
لكنّ التنزيل لم يترك الأمر بالمشورة مرسلا، بل و ضع له نظامًا و أضح المعالم، فالنبيّ القائد
المستشير حين يعزم على أمرٍ فيه الصواب و الصلاح ينبغي أن ينفذ فيه، سواء كان موافقًا لآراء
.[ المستشارين أو مخالفًا لها : ((َفإَِذا عَزَمْت َفَتوَكَّلْ عََلى الّلهِ)) [آل عمران/ 159
النصّ الثالث : قوله تعالى : ((وَأَمْرُهُمْ ُ شورَى بَيَْنهُم)).جاءت هذه الآية الكريمة ضمن سياق عام
يتحدّث عن خصائص المجتمع الأمثل قال تعالى : ((وَالَّذِينَ يَجَْتنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَاْلَفوَاحِش وَإَِذا مَا َغضِبُوا هُمْ يَغفِرُونَ، وَالَّذِينَ اسَْتجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأََقامُوا الصََّلاَة وَأَمْرُهُمْ ُ شورَى بَيَْنهُمْ وَمِمَّا رَزَْقَناهُمْ يُنفُِقونَ، وَالَّذِينَ إَِذا أَصَابَهُمُ اْلبَغيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ) [الشورى/ 37
فهي ناظرة إلى ظواهر يتميّز بها المجتمع الإسلامي التي تمّثل أهداف الإسلام و آدابه، فمع ما يتحّلون
به من الإيمان، و حسن التو ّ كل على الله تعالى، و اجتناب الكبائر والفواحش، و العفو و المسامحة، و
الاستجابة لآمر ربّهم، وإحياء الصلاة، وردّ البغي والعدوان، فهم أيضًا (شأنهم المشاورة بينهم.. ففيه
الإشارة إلى أّنهم أهل الرشد وإصابة الواقع، يمعنون في استخراج صواب الرأي بمراجعة العقول.
فالآية قريبة المعنى من قوله تعالى: ((الَّذِينَ يَسَْتمِعُونَ الَْقوْلَ َفيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ)) [الزمر/ 18 ]. و هذه
نصوص تؤكد على أهمية التشاور و الاسترشاد: و على هذا انطلق المفسّرون في ظلال هذا النصّ
يتحدّثون عن استحباب مشاورة الناس لمن أهمّه أمر، و الاسترشاد بعقول الآخرين و آرائهم
الناضجة، دائرين في دائرة ذلك البعد الاجتماعي.
- 3 الطاعة : قال الله تعالى ((يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَُنوْا أَطِيعُوْا اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأمْرِ مِْنكمْ
َفإِن َتَنازَعُْتمْ فِي َ شيء فَرُدُّوهُ إَِلى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن ُ كنُتمْ ُتؤْمُِنونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخر ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ
تَأْوِيلا)) [النساء/ 59
هذه الآية، و في ما بعدها، يريد الله سبحانه أن يخ ّ طط للمسلمين و يدخلهم في أجواء النظام، على أساس
النظرية و التطبيق معًا، فيدعوهم إلى اعتبار الطاعة لله و للرسول و لأولي الأمر قاعدًة ثابتة، ترتكز
عليها الحياة العامة؛ و هذا ما عالجته هذه الآية في الدعوة إلى طاعة الله ((يَأَيُّهَا الَّذِينَ امنوا أَطِيعُوْا
اللَّهَ))؛ فإنها أساس الإيمان، لأن معناه العميق يتمثل في الإحساس بعبودية المؤمن لله في كل أفكاره و أقواله و أفعاله، مما يدفعه إلى السير في حياته و فق أوامر الله و نواهيه، في ما يحبه و ما لا يحبه؛ و
في دعوتها إلى طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، (( وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ )) في ما تمثله من السير على
الخط الذي يرسمه الرسول في تخطيطه للمسار العملي في تفصيلات الأمور، و جزئيات القضايا، و
حركة الصراع، و قيادة الأمة إلى أهدافها و تحريك الساحة نحو المواقف الحاسمة في مواجهة
التحديات، و تفجير الطاقات في سبيل الإبداع و العطاء...
و هكذا كانت سّنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، المتمثلة في قوله و فعله و تقريره، الوجه
التفصيلي و التطبيقي للمفاهيم القرآنية العامّة؛ فلا مجال للأخذ بالقرآن بشكل دقيق، إلا بالرجوع إلى
السّنة لنعرف من خلالها تفصيل ما أجمله القرآن، وإيضاح ما أبهمه، وتخصيص ما أطلقه.
ثم تحدثت الآية عن طاعة فئة أخرى ((وَأُوْلِي الأمْرِ مِْنكمْ))، الذين أوكل الله إليهم أمر القيام بإدارة
شؤون الناس و ذلك من خلال القواعد التي وضعها للقائمين على الأمر، لما يتصفون به من صفات و
ما يقومون به من مسؤوليات و مهمات، ولما و ضعه من التسلسل في القيادة، فقد لا يكون لأولي الأمر
طاعة مستقّلة إلا من خلال ارتباطها بإطاعة الرسول، في ما جعله الله له من ذلك، لأنهم لا يملكون
مهمة التشريع، بل كل ما هناك أنهم يملكون التحرك في نطاق ساحته على أساس تطبيقي.
الفوائد والإرشادات :
- 1 في القرآن الكريم قيم متنوعة و هي القيم الفردية و الأسرية و الاجتماعية والسياسية.
- 2 جاءت القيم الفردية مبنية الرحمة و الصبر الإحسان.
- 3 القيم الأسرية تناولت عنصر المودة و الرحمة و اللطف.
- 4 قيم القرآن الكريم الاجتماعية هي:التعاون و التكافل باختلاف أنواعه.
- 5 القيم السياسية أساسها : العدل و الشورى والطاعة لله و رسوله وأولي الأمر.

* أسئلة التصحيح الذاتي :
1/ عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الراحمون
يرحمهم الرحمن ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء الرحم شجنة من الرحمن فمن وصلها
وصله الله ومن قطعها قطعه الله ) رواه الترمذي.
− اقرأ الحديث جيدا و استخرج المعنى العام له موضحا قيمة الرحمة في الإسلام ومستشهدا بنصوص
من القران الكريم والحديث النبوي الشريف؟

2/ قال الله تعالى : ((وَالَّذِينَ يَجَْتنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَاْلَفوَاحِش وَإَِذا مَا َغضِبُوا هُمْ يَغفِرُونَ، وَالَّذِينَ
اسَْتجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأََقامُوا الصََّلاَة وَأَمْرُهُمْ ُ شورَى بَيَْنهُمْ وَمِمَّا رَزَْقَناهُمْ يُنفُِقونَ، وَالَّذِينَ إَِذا أَصَابَهُمُ اْلبَغيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ)) [الشورى/ 37
ذكر الله تعالى في هذه الآيات عدة قيم، استخرج ثلاث منها موضحا أبعادها؟

* أجوبة التصحيح الذاتي :

1/ يحث الرسول صلى الله عليه و سلم في هذا الحديث على الرحمة، و رغب فيها بأن ربط
رحمة الله بالعبد برحمته هو بغيره، و ما مكانة رحمة الخلق برحمة الخالق، هذا. و إذا كانت رحمة
الناس عموما مطلوبة، فرحمة الأقارب ( ذوو الأرحام ) أشد طلبا، ويظهر ذلك بأن علق الله تعالى
صلته بمن يصل رحمه. و من الآيات التي تنص على مثل هذا المعنى : ( وَأُوُلو اْلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوَْلى
بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّه )ِ(الأحزاب: من الآية 6). (وَأُوُلوا اْلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوَْلى بِبَعْضٍ فِي كَِتابِ اللَّهِ
.( )(لأنفال: من الآية 75

2/ القيم الواردة في النص القرآني : ((وَالَّذِينَ يَجَْتنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَاْلَفوَاحِش وَإَِذا مَا َغضِبُوا هُمْ يَغفِرُونَ، وَالَّذِينَ اسَْتجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأََقامُوا الصََّلاَة وَأَمْرُهُمْ ُ شورَى بَيَْنهُمْ وَمِمَّا رَزَْقَناهُمْ يُنفُِقونَ، وَالَّذِينَ إَِذا أَصَابَهُمُ اْلبَغيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ)) [الشورى/ 37

القيم الفردية : الاستقامة و تجنب الآثام، و أداء الصلاة.
القيم الاجتماعية : العفو و المغفرة.
القيم السياسية : الشورى و المشاركة في الحكم بالرأي. و الدفاع عن الوطن.
_________________________________________________
الدرس 5 : المساواة أمام أحكام الشريعة الإسلامية : 
نص الحديث

للقراءة والحفظ :
عن عائشة رضي الله عنها أَنَّ ُقرَيْ ً شا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَرْأَةِ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرََقت َفَقاُلوا: مَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ َفَقاُلوا وَمَنْ يَجَْترِئُ عََليْهِ إِلا أُسَامَة حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه
وسلم؟! َفكلَّمَهُ أُسَامَة َفَقالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أََتشَْفعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ"؟ ُثمَّ قَامَ فَاخَْت َ طبَ َفَقالَ: "أَيُّهَا النَّّّاسُ، إِنَّمَا أَهَْلكَ الَّذِينَ َقبَْل ُ كمْ أَنَّهُمْ َ كاُنوا إِ َ ذا سَرَق فِيهِمُ الشَّّرِيف تَرَكوهُ، وَإِ َ ذا
سَرَق فِيهِمُ الضَّّّّعِيف ُأََقامُوا عََليْهِ الْحَدَّ، وَأيْمُ الَّله َلوْ أَنَّ فَاطِمَة بِنْت مُحَمَّدٍ سَرََقتْ َلَقطعْت يَدَهَا".
[متفق عليه ورواه أصحاب السّنن]

- الّتعريف بالصّحابية راوية الحديث أم المؤمنين عائشة:

هي أمّ المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصّديق رضي الله عنهما، زوج
الرّسول الله صلى الله عليه وسلم. كانت رضي الله عنها من أعلم
الّّنساء وأفقههنّ، ومن أكثر الّّناس رواية لحديث الّّنبيّ صلى الله عليه
وسلم، حيث روي لها ( 2210 حديثا). توفي عنها رسول الله صلى الله
عليه وسلم وعمرها 18 سنة، وتوفيت رضي الله عنها سنة 57 ه،
وصلى عليها أبو هريرة رضي الله عنه.
..
 المساواة أمام القانون من مبادئ الشريعة الإسلامية:

في هذا الحديث مظهر من مظاهر العدالة القانونية في الإسلام، وهو
عدم الّتفريق بيّن الأغنياء والفقراء والأقوياء والضّعفاء في تطبيق
الأحكام والحدود، فها هو الّّنبيّ صلى الله عليه وسلم يُلغي الاعتبارات
الاجتماعية في تطبيق الأحكام ال ّ شرعية.

2 عدم جواز التعدّي على أموال الّّناس:

في هذا الحديث بين الّّنبيّ صلى الله عليه وسلم مكانة أموال الّّّناس
وقدسيتها في ديننا الحنيف، بحيث لا يجوز بحال من الأحوال أخذها
بغير ح ّ ق أو الاعتداء عليها بالسّرقة أو الغش وغير ذلك من طرق
الكسب الحرام.. أما من سوّلت له نفسه ذلك فلجأ إلى سرقة أموال
الّّناس فنجد ال ّ شريعة الإسلامية قد وقفت أمامه بالمرصاد ورّتبت على
فعله عقوبة رادعة، حّتى لا يعود مرة أخرى ولِيْن زجِر غيره من
الّّناس.

3 تحريم ال ّ شفاعة في الحدود:

في الحديث دلالة عظيمة على العدالة القانونية في ال ّ شريعة الإسلامية
اّلتي لا تفرق بين القوي والضّّعيف في تطبيق الأحكام والحدود، بل
ُتطبَّق أحكامُها العادلة على الجميع، فألغى صلى الله عليه وسلم
الحسابات الاجتماعية في تطبيق الأحكام ال ّ شرعية، وبيّن أن سبب هلاك
الأمم السّابقة يكمن في الّتمييز بين طبقات المجتمع وعدم مراعاة أحكام
العدل.

4 من الآثار السّلبية للشفاعة في الحدود:
إنّ تعطيل تنفيذ حدود الله في ح ّ ق طبقة معيّنة من المجتمع سيُشجع
القادرين على الّتخلص من العقاب بال ّ شفاعة، ويؤدّي إلى ظهور ال ّ طبقية
التي تميز بين الّّّناس أمام العدالة بين من يملكون شفعاء يُخلصونهم من
العقاب ومن لا يملكون ذلك. وكذا شيوع الجريمة والفساد المدمرّين
للمجتمع، كما أنّ في ال ّ شفاعة في الحدود إهدارا للعدالة والقانون، وهي
من أهم مقومات بناء المجتمعات واستقرارها.
..
الفوائد والإرشادات

1 تحريم السّرقة وبيان عقوبتها.
2 القضاء على الفوارق ال ّ طبقية والّتمييز العنصري والمحاباة في الحدود.
3 تحريم ال ّ شفاعة في الحدود.
4 وجوب إقامة حدود الله وحرمة تعطيلها.
5 تعطيل حدود الله يؤدي إلى شيوع الجريمة والفساد في الأرض.
6 الاعتبار بأحوال الأمم السابقة.

الخلاصة

في هذا الحديث بيان:

- مساواة جميع الناس أمام القانون من أهم المبادئ التي جاء بها
الإسلام. ولذلك ألغى جميع الاعتبارات الاجتماعية في تطبيق الأحكام
الشرعية.
- تحريم التعدي على أموال الناس وهذا يدل على قيمة المال في
الإسلام، ولهذا كان من مقاصد الشريعة الإسلامية حفظ المال لأن
المال قوام الحياة.
- تحريم الشفاعة في الحدود، لأنها ُتفقد القوانين هيبتها ويقل الردع في
المجتمعات ويحل محل ذلك الفوضى وال ّ لاأمن


* أسئلة الّتقويم الذاتي

- 1 لماذا لم يقبل الرّسول صلى الله عليه وسلم شفاعة أسامة بن زيد؟

- 2 كيف ربط الرّسول صلى الله عليه وسلم بين عدم المساواة في
تطبيق القانون وانهيار الحضارات والمجتمعات؟ ولماذا؟

- 3 ما هي الحكمة الّتربوية من عدم جواز ال ّ شفاعة في الحدود؟

- 4 من العبارات المتداولة في عصرنا عبارة "الح ّ ق العام"، بين
معناها وهل لها أمثلة من ال ّ شريعة الإسلامية. اذكر مثالين؟

-5 في هذا الحديث بين الّّنبيّ صلى الله عليه وسلم مكانة أموال الّّّناس
وقدسيتها في ديننا الحنيف. كيف تؤكد ذلك؟

* أجوبة التقويم الذاتي
- 1 لم يقبل الرسول صلى الله عليه وسلم شفاعة أسامة بن زيد لأنه
لا يجوز الشفاعة في حد من حدود الله.

- 2 ربط الرسول صلى الله عليه وسلم بين عدم المساواة في تطبيق
القانون وانهيار الحضارات والمجتمعات، لأن الظلم مؤذن بخراب
العمران، وما انتشر الظلم في قوم إلا وعمّتهم الفوضى وأهلكتهم
الثورات، وانتشر فيهم القتل والهرج والمرج.

- 3 الحكمة التربوية من عدم جواز الشفاعة في الحدود: لكي يعلم
الجميع أنهم ليسو فوق القانون، فلا بد حينئذ من التقيد بأحكام الله،
والالتزام بتعاليم الإسلام، فتنشأ النفس معتدلة، ومتعوّدة على الطريق
المستقيم.

- 4 من العبارات المتناولة في عصرنا عبارة "الحق العام": ومعناها
حق المجتمع، الذي لا يجوز التهاون في الحفاظ عليه، وليس لأحد
مهما كانت سلطته أن يتنازل عنه. ولهذه العبارة أمثلة من الشريعة
الإسلامية: وهي "الحدود"، فلا يملك رئيس الدولة تعطيلها، مثل حد
السرقة وحد الزنا..

-5 لأموال الّّّناس مكانة وقدسية في ديننا الحنيف؛ بحيث لا يجوز
بحال من الأحوال أخذها بغير ح ّ ق أو الاعتداء عليها بالسّرقة أو الغش
وغير ذلك من طرق الكسب الحرام.. أما من سوّلت له نفسه ذلك فلجأ
إلى سرقة أموال الّّناس فنجد ال ّ شريعة الإسلامية قد وقفت أمامه
بالمرصاد ورّتبت على فعله عقوبة رادعة، حّتى لا يعود مرة أخرى
ولِيْن زجِر غيره من الّّناس.
_____________________________________________
الدرس 6 : العمل والإنتاج.في الإسلام و مشكلة البطالة :

نص الحديث

للقراءة والحفظ :
عن الزبير بن العوام رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "لأَنْ يَأْ ُ خ َ ذ أَحَدُ ُ كمْ حَبْلَهُ َفيَأْتِيَ الْجَبَلَ فَيَجِيءَ بِحُزْمَةٍ مِنْ حَ َ طبٍ عََلى ظهْرِهِ َفيَبِيعَهَا َفيَسَْتغْنِيَ بَِثمَنِهَا، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ الَّّّناسَ أَعْ َ طوْهُ أَوْ مَنَعُوهُ". [رواه البخاري]

الّتعريف بالصّحابي راوي الحديث
- الّتعريف بالصّحابي راوي الحديث الزّبير بن العوام رضي الله عنه :
هو الصحابي الجليل الزبير بن العوام بن خويلد، أبو عبد الله رضي الله عنه، أسلم وهو شاب في السادسة عشر، وهو حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عمته صفية بنت عبد المطلب، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة، ومن المهاجرين إلى الحبشة، ومن الستة أهل الشورى، وأول من سلّ سيَفه في الإسلام، روى أحاديث قليلة، توفي سنة 36 
.......
1 مفهوم العمل في الإسلام :
العمل هو كلّ جهد بشري مشروع يبذله الإنسان، يعود عليه أو على غيره بالخير والفائدة والمنفعة، سواء أكان هذا الجهد جسميا كالحرف اليدوية، أو فكريا كالّتعليم والقضاء.

2 الإسلام يحثنا على العمل:
يحث الّّنبي صلى الله عليه وسلم المسلمين على العمل والاكتساب من
حرفة أيا كانت، فبين عليه السلام أن الرجل حين يأخذ حبلا ومِع ولا ويخرج إلى الجبال والغابات أو المراعي والمزارع فيجمع حزمة حطب مما رغب عنه الّّناس أو من كلأ مباح، ث م يبيعها بقليل من المال
ينفق منه على نفسه وأولاده، ويصون بذلك كرامة نفسه وعِزتها ويحفظ وجهه ويمنع عنه ذل السؤال ومهانة ال ّ طلب. ولأَن يباشر المؤمن مهنة بسيطة وعملا متواضعا يعيش منه ويلتمس
به أبواب الرزق أحب عند الله من ذلك المؤمن الضعيف، والمجد العامِلُ أنفع وأفضل من ذلك العاطل الكسول الخامل كما جاء في الحديث "وما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده، وإن
نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من كسب يده". [رواه البخاري]

3 محاربة الإسلام للبطالة :
يرفض الإسلام رفضا قاطعا أن يوجد في المجتمع أفراد قادرون على العمل والإنتاج ثم تعطل طاقاتهم، فقد أبغض الإسلام البطالة وذم من يقعد عن العمل، لأ ن في ذلك تعطيلا للقوى والمواهب عن تأدية دورها في الحياة، إضافة إلى أّنه سبيل إلى الفقر اّلذي يكاد أن يكون كفرا. والبطالة تجعل صاحبها عبئا وعالة على غيره، وهذا يؤدي إلى ركود الحياة الاقتصادية.. من أجل كل هذا حمل الإسلام الدولة مسؤولية توفير مناصب العمل للرعية حسب تخصصاتها، كما أعطى لها حق منع التسول عن القادرين على العمل، قال الّّنبي صلى الله عليه وسلم: "لا تحل ال صدقة لغني ولا لذي مِرَّة سوي". [رواه ال ّ شيخان] و قال عمر رضي الله عنه: "إن الله خلق الأيدي لتعمل، فإن لم تجد في الطاعة عملا وجدت في المعصية أعمالا".

4 نظرة الإسلام إلى الّتسول والّّنهي عنه :
سؤال الّّّناس واستجداءهم ُذل ومهانة، والأصل في المسلم أن يكون عاملا عزيزا، فلا جرم إن كان الإسلام يمقت التسول وسؤال الّّناس، قال صلى الله عليه وسلم: "لا تزال المسألة بأحدِكم حّتى يلقى الله عز وجل، وليس في وجهه مزعة لحم". [متفق عليه]، وهذا كناية عن ذهاب الحياء والكرامة، وقال صلى الله عليه وسلم: "إ ن المسألة لا تحل إ ّ لا لثلاثة: لذي فقر مدقع، أو ذي غرم مقطع، أو ذي دم موجع". [رواه أبو داود]
.......
الفوائد والإرشادات

- 1 ح ّ ث المسلم على العمل وتحصيل الرزق، وأن يكون ذلك من كسب يده وثمرة جهده.
- 2 ينبغي إجهاد الّّنفس في تحصيل الرزق الحلال.
- 3 لا تحل المسألة مع القدرة على العمل وكسب الرزق.
- 4 مدح الّتعفف والّتنزه عن سؤال الّّّناس.
- 5 لا ينبغي احتقار العمل والاستحياء منه ولو كان بسيطا. الخلاصة

مما يؤخذ من الحديث:
- مفهوم العمل: كل جهد بشري ( فكري أو يدوي) مشروع يعود على الإنسان أو غيره بالخير والنفع والفائدة.
- حثُّ الإسلام على العمل: مهما كان هذا العمل متواضعا وبسيطا حتى ينتفع الإنسان وينفع مجتمعه.
- محاربة الإسلام للبطالة: البطالة تجعل صاحبها عبئا وعالة على غيره، وهذا يؤدي إلى ركود الحياة الاقتصادية وجمود الإنسان وتشجيع على الكسل.
- نظرة الإسلام إلى التسول والنهي عنه: نهى الإسلام عن التسول، لأن المسلم عزيز مكرم لا يمد يده للناس أبدا.


* أسئلة الّتقويم الذاتي
- 1 لماذا نهى الإسلام عن الّتسول؟ وما هي ضوابطه؟
- 2 ما هي نتائج البطالة وأثرها على الصعيد المحلي والعالمي؟
- 3 كيف ينظر الإسلام إلى العمل؟ وأيهما أكثر أهمية: العمل الفكري أم العضلي؟ وضح ذلك.

* أجوبة التقويم الذاتي

- 1 نهى الإسلام عن التسوّل: لأنه يشجع على البطالة، ويربي النفس على روح التواكل، ويقتل فيها كل خصلة حميدة.
ضوابط التسوّل: لا يجوز اللجوء إلى التسول إ ّ لا لمن اضطر إليه، ولم يجد ما يغنيه عنه. وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم نماذج عن أصحاب الأعذار في قوله: "إن المسألة لا تحل إلا لثلاثة: لذي فقر مدقع، أو ذي غرم مقطع، أو ذي دم موجع".


- 2 نتائج البطالة : البطالة ُتعطِّل القوى والمواهب عن تأدية دورها في الحياة، إضافة إلى أنها سبيل إلى الفقر الذي يكاد أن يكون كفرا،  والبطالة تجعل صاحبها عبئا وعالة على غيره، وهذا يؤدي إلى ركود الحياة الاقتصادية.

- 3 ينظر الإسلام إلى العمل كعبادة، ومن يعمل ليعول نفسه وأهلة فهو في عبادة، وسيجازيه الله تعالى عن هذه العبادة خير الجزاء.
______________________________________________________________
الدرس 7 : مشروعية الوقف 
للقراءة و الحفظ
عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن الرسول صلى الله عليه و سلم قال:
((إَِذا مَات الإنْسَانُ انَْقطعَ عَنْهُ عَمَُلهُ إِلاَّ مِنْ َثلاَثةٍ إِلاَّ مِنْ صَدََقةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنَْتَفعُ بِهِ أَوْ وََلدٍ صَالِحٍ
يَدْعُو لَهُ)) [رواه : مسلم وغيره].

-التعريف بالصحابي راوي الحديث :
هو الصحابي الجليل عبد الرحمن بن صخر الدوسي نسبة إلى قبيلة دوس باليمن ويكنى بأبي هريرة رضي الله عنه قدم المدينة في السنة السابعة للهجرة و النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة خيبر فأسلم على يديه، و لازمه ملازمة تامة فكان بذلك هو أحفظ الصحابة رضي الله عنهم فروي له من الأحاديث ( 5374 حديثا) توفي سنة 57ه بالمدينة المنورة و دفن بالبقيع.
.........
بين الحديث بعض ما ينتفع به الميت بعد موته و هي ما خلفه من بعده من آثار صالحة و صدقات
جارية و علم ينتفع به و الأولاد الصالحون و جاء الحديث ليثبت ذلك.

منافع الصدقة الجارية :
وهي كل ما يتركه العبد وقفا لله تعالى لفئة معينة أو جهة مخصوصة، كالذي يوقف أرضا لبناء مسجد،
أو مستشفى، أو أرضا يكون خراجها لصالح طلبة العلم أو مؤسسة للنفع العام... فكل ذلك يؤجر عليه
العبد بعد مماته إلى أن تقوم الساعة. و الوقف عمل ناجز في الحياة تقر عين صاحبه به و ذلك أنه
يباشره بنفسه و يرى آثاره الطيبة، و قد سئل النبي صلى الله عليه و سلم : أي الصدقة أعظم أجرًا ؟
قال : (أن تصدق و أنت صحيح شحيح تخشى الفقر و تأمل الغنى و لا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم
قلت لفلان كذا و لفلان كذا و قد كان لفلان كذا) [رواه البخاري].
و قد استفادت الأمة الإسلامية في بناء حضاراتها من الأوقاف، حين كانت تصرف غلاتها في خدمة
البلاد الإسلامية كالطرقات و التعليم و علاج المرضى و المكتبات و سكن الفقراء و المساكين و
الأيتام... و غير ذلك.

أجر توريث العلم النافع :
و هو أيضا مما ينتفع به صاحبه بعد موته بل هو مما يبقى إلى ما شاء الله تعالى، فمن علم الناس
سينتفع بعلمهم و من ترك كتابا يتعلم الناس منه يصلحه ثوابه، بذلك يكون ديننا قد أولى للعلم عناية فائقة
حيث اهتم به اهتماما بالغا، و تدل على ذلك نصوص شتى من القرآن و السنة، سواء تمثل هذا العلم
في تأليف الكتب أو تحقيقها و نشرها بين الناس، حتى تعم الفائدة بين الأجيال الحاضرة و اللاحقة.

- الولد الصالح ذخر لوالديه :
و من النعم أيضا الولد الصالح الذي يخلفه الإنسان فهو الذي يتذكر و الديه بالدعاء لأنهما أحسنا تربيته، فما أعظمها من منفعة وأجر ينتفع به الإنسان بعد موته، و الحديث قيد ذلك بصلاح الولد عكس أولئك الذين يتركون ذرية غير صالحين فسيدعون على آبائهم بالشر لأنهما لم يحسنا تربيته و يا للأسف الشديد.


* الفوائد و الإرشادات :
- مشروعية الوقف في الإسلام و هو الصدقة الجارية
- العلم النافع يعود على صاحبه بالخير العميم
- دعوة الوالد الصالح لوالديه مما ينتفع به المرء بعد موته

* أسئلة التصحيح الذاتي :
- 1 كيف يمكن استخلاص الوقف من نص الحديث؟
- 2 أشار النص النبوي إلى فضل العلم و مكانته كيف ذلك؟
- 3 أشار نص الحديث إلى المنهج النبوي في تربية الأبناء و ضح ذلك؟
....
* أجوبة التصحيح الذاتي :

- 1 يمكن استخلاص الوقف من نص الحديث : من خلال قوله صلى الله عليه وسلم (صدقة جارية)
لأن خير الوقف مستمر، و ما دام الخير مستمر فإن الأجر كذالك يكون مستمرا.

- 2 أشار النص النبوي إلى فضل العلم من خلال جعل الأجر عن نشره مستمرا بعد و فاة صاحبه، و
استمرا الأجر دليل على عظم المكانة و الفضل.

- 3 أشار نص الحديث إلى المنهج النبوي في تربية الأبناء : و هو التنشئة على الصلاح، و الاتصال
بالله تعالى بالدعاء و غيره. فالولد الصالح يعترف بفضل و الديه عليه، و لا ينساهما بعد و فاتهما،
فيجتهد في الدعاء لهما بالخير و الفلاح يوم القيامة.
________________________________________________________
الدرس 8  : توجيهات الرسول صلى الله عليه و سلم في صلة الآباء بالأبناء : 
للقراءة والحفظ:

عن عامر رضي الله عنه قال: سمعت الّّنعمان بن بشير رضي الله عنهما وهو على المنبر يقول: "أَعْطانِي أَبِي عَطِيَّة َفَقاَلت عَمْرَُة بِنْت رَوَاحَة: لا أَرْضَى حَتَّى ُتشْهِدَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. َفأََتى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم َفَقالَ: إِنِّي أَعْط ت ابْنِي مِنْ عَمْرة بِنْتِ رَوَاحَة عَطِيَّة َفأَمَرَْتنِي أَنْ أُشْهِدَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. َقالَ: "أَعْطيْ َ ت سَائِرَ وََلدِكَ مِثْلَ هَذا؟" َقالَ: لا. َقالَ: "َفاتَُّقوا اللَّهَ وَاعْدُِلوا بَيْنَ أَوْ َ لادِ ُ كمْ". َقالَ: َفرَجَعَ
فَرَدَّ عَطِيََّتهُ".
[رواه البخاري]

- الّتعريف بالصّحابي راوي الحديث

هو الصحابي الجليل الّّنعمان بن بشير الأنصاري الخزرجي، أبوه صحابي وأمه أيضا رضي الله عنهم، وهو أول مولود للأنصار بعد الهجرة. سكن الشام وولي إمرة الكوفة من قبل معاوية رضي الله عنه،
ثم نقله إلى حمص وتوفي بها سنة 64 ه. روي له من الأحاديث 114 حديثا). )
..........
1 قصة الحديث: وقعت هذه القصة لسيدنا الّّنعمان وأبويه: بشير وعمرة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد وهب بشير ابَنه الّّنعمان هبة، فطلبت منه زوجُته عمرُة بن ُ ت رواح َ ة (أم الّّنعمان) أن يشْهِد رسول صلى الله عليه وسلم على عقد الهبة، فسأله الّّنبي صلى الله عليه وسلم: هل قام بنفس العمل مع بقية أبنائه؟ فأخبره بشير بأّنه خص الّّنعمان بالعطية دون بقية أولاده، فرفض الّّنبي صلى الله عليه
وسلم الشهادة على ذلك، لما اشتمل عليه من ال ّ ظلم، ثم أمر بشيرا بخشية الله وتقواه والعدل بين الأبناء في العطايا.

2 الهبة للأولاد مشروعة : بين الحديث مشروعية إعطاء الأبناء هدايا وعطايا قصد التودد إليهم والّتحبب، وهذا إضافة على الّّنفقة الواجبة عليهم، فب ين الحديث مشروعية ذلك بشرط العدل بين الأبناء.

3 مشروعية الإشهاد في الهبات: شرع الحديث جواز الإشهاد في تقديم العطايا، فهذه عمرة بنت رواحة رضي الله عنها أرادت أن ُتشهد الرسول صّلى الله عليه وسلم على تقديم الهبات فسأل صلى الله عليه وسلم أبا الّّنعمان إن كان أعطى سائر ولده مثله؟ فأجاب بالرفض، فلم يشهد على هذا العطاء وأمره أن يعطي سائر ولده.

4 وجوب العدل بين الأولاد في الهدايا: أمر الرسول صلى الله عليه وسلم البشير أن يعدل بين أبنائه، وذ ّ كره بتقوى الله تعالى، وأمره أن يسوي بين أولاده في الهبة وذلك لكي لا تنشأ العداوة والبغضاء بين
الأولاد فيما بينهم من جهة وبين الأولاد وأبيهم من جهة أخرى.

5 مخاطر الّتفريق بين الأبناء: الّتفريق بين الأبناء في العطايا والهبات والّتمييز بينهم له مخاطر جسيمة تعود باسلب عليهم، كال ّ شعور بال ّ ظلم وعدم الاهتمام، مما يؤدي إلى العقوق وقطع الأرحام
وزرع ال ّ شحناء والبغضاء بين الأبناء، وما يترتب عنه من أزمات نفسية ومشاكل في حياتهم الواقعية.

الفوائد والإرشادات
1 دلَّ الحديث على مشروعية الهبة للأبناء.
2 جواز رجوع الآباء في عطاياهم لبعض الأبناء.
3 مشروعية الإشهاد في العطايا والهبات.
4 وجوب الرجوع للصواب حين يّتضح للإنسان خطأه.
5 حث الإسلام الآباء على تقديم الهدايا لأبنائهم في مختلف المناسبات.

الخلاصة
دلّ الحديث على أنّ:
- الهبة للأبناء مشروعة: إذ يصح للوالد أن يعطي أبناءه زيادة على النفقة عليهم.
- وجوب العدل بين الأبناء في الهبة: يجب على الآباء العدل بين أولادهم في الهبات والعطايا حتى لا تنشأ العداوات بين الأبناء وبين الأبناء وآبائهم.
- مخاطر التفريق بين الأبناء: من ذلك أّنه يؤدي إلى الشعور بالظلم والاحتقار عند الأبناء، مما قد يؤدي إلى عقوق الوالدين وقطع الأرحام وزرع الشحناء والبغضاء.

* أسئلة الّتقويم الذاتي
1 – ما الفرق بين الهبة والهدية؟
- 2 لماذا رفض الرسول صلى الله عليه وسلم هبة الصحابي لابنه؟
- 3 ما هو مدلول كلمة ارسول صلى الله عليه وسلم: "اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم"؟

* أجوبة التقويم الذاتي

- 1 الفرق بين الهبة والهدية:



2- رفض الرسول صلى الله عليه وسلم هبة الصحابي لابنه:
لأّنه لم يعدل بين أولاده، حينما استأَثر أحد أبنائه بالهبة، ولم يعطِ البقية شيئا. وهذا من شأنه أن ينشر العداوة والبغضاء بين الإخوة.

- 3 مدلول كلمة الرسول صلى الله عليه وسلم: "اتقوا الله واعدلوا بين أبنائكم": أي أن الذي لا يعدل بين أبنائه لم يّتق الله، فمِن مستلزمات التقوى أن لا يفرق المرء بين أولاده سواء في الهبة أو غيرها.
______________________________________________________________________________________
الدرس 9 : أثر الإيمان والعبادات في اجتناب الإنحراف والجريمة :
 1 تعريف الجريمة و الانحراف :

اشتقت كلمة الجريمة في اللغة من الجُرم وهو التعدي أو الذنب، و جمع الكلمة إجرام و جروم و هو
الجريمة. و قد جَرَمَ يَجْرِمُ و اجَْترَمَ و أَجْرَم فهو مجرم وجريم و عَرَّفت الشريعة الإسلامية الجريمة
بأنها: محظورات شرعية زجر الله عنها بحد أو تعزير.

- 2 أقسام الجريمة من حيث مقدار العقوبة :

تقوم الشريعة الإسلامية في مواجهتها لأحداث الحياة و وضعها الحلول لمشكلاتها على مبدأ ين متكاملين
هما ثبات الأصول و تغير الفروع.
ففي جوانب الحياة التي لا تتغير تأتي الشريعة بالأحكام و في الجوانب المتغيرة و التي تتأثر بتطور
المجتمعات و توسيع مناشطها و نمو معارفها تأتي الشريعة بمبادئ عامة و قواعد كلية قابلة لتعدد
التطبيقات و اختلاف الصور.
و إذا طبقنا هذه القاعدة على نظام العقوبات نجد الشريعة قد جاءت بالنص القاطع على جرائم العقوبات
الثابتة التي لا يخلو منها مجتمع و التي لا تتغير صورتها لصلتها بثبات الطبيعة العامة للإنسان.
أما غير تلك الجرائم فقد واجهتها بالنص على المبدأ العام القاضي بالتجريم و تركت العقوبة للسلطة
المختصة في المجتمع لتحدد ما يناسب الحال و ظروف المجرم و يساعد على كف الشر عن
المجتمع.

و طبقا لهذا المبدأ فإن أقسام الجرائم من حيث مقدار العقوبة في الشريعة الإسلامية ثلاثة
أنواع: الحدود - القصاص –
.......

أولا – الحدود :

1 – تعريف الحدود :

ويقصد بها محظورات شرعية زجر الله عنها بعقوبة مقدرة تجب حقا لله تعالى.

- 2 خصائص عقوبات الحدود :

و تتميز الحدود بما يلي :

1/ أنه لا يجوز النقص منها أو الزيادة فيها.
2/ أنه لا يجوز العفو عنها لا من قبل القاضي أو السلطة السياسية أو المجني عليه و ذلك بعد أن يرفع
أمرها إلى السلطة أما قبل ذلك فيمكن العفو عنها من قبل المجني عليه.
3/ أنها حقوق واجبة لله تعالى، و هو تعبير يرد في الإسلام و يراد به الحق العام الهادف إلى تحقيق
المصلحة العامة للمجتمع.

3 – جرائم الحدود :

جرائم الحدود هي :

1/ السرقة :

- تعريفها هي : أخذ مال الغير من موضع حفظه خفية بنية تملكه.
- شروط تحقق السرقة الموجبة للحد: يشترط لتحقيق السرقة الموجبة للحد عدة شروط :

- 1 أن يكون الأخذ تاما و ذلك بأن يخرجه السارق من حيازة المجني عليه، و من حرزه المعد لحفظه،
و يدخله في حيازته (أي السارق).

- 2 كون المال المسروق منقولا.

- 3 كون المال المسروق متقوما و ذلك يتوفر بالأتي :

أ/ أن لا يكون الشرع قد أهدر قيمته بأن حرم الانتفاع به.
ب/ أن يكون من الأشياء التي يجعل الناس لها قيمة في تعاملهم ولا يتسامحون فيها عادة. فإذا وجدت
تلك الشروط ولم توجد شبهة تدرأ الحد عن السارق لقوله تعالى : ((وَالسَّارِ ُ ق وَالسَّارَِق ُ ة َفاْق َ طعُوْا أَيْدِيَهُمَا
[ جَزَاء بِمَا َ كسَبَا نَكَا ً لا مِّنَ الّلهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)) [المائدة/ 38

2/ الحرابة :
و هي خروج فرد أو جماعة إلى الطريق العام بغية منع سلوكه أوأخذ أموال سالكيه أو الاعتداء على
أرواحهم ودليل عقوبتها قوله تعالى : ((إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ الّلهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ
َفسَاداً أَن يَُقتَُّلوْا أَوْ يُصَلَّبُوْا أَوْ ُتَقطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُُلهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنَفوْْا مِنَ الأَرْضِ َذلِكَ َلهُمْ خِزْيٌ فِي
الدُّْنيَا وََلهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ)) [المائدة/ 33 ]، و قد نصت هذه الآية على عدة عقوبات لتعطي
خيارات متعددة أمام مختلف الحالات فيعطى لكل حال الحكم الذي يناسبها.أما إذا تاب المحارب قبل أن
يقع في يد السلطة وأقلع عن فعل الحرابة فإنه يسقط عنه حد الحرابة كما نصت على ذلك الآيات السابقة
إلا أنه يطالب بحقوق الآخرين من مال أو نفس إن كان قد ارتكب جناية على نفس أو مال.

3/ الزنا :
- تعريفه : هو وطء الرجل المرأة التي لا تحل له، و تختلف عقوبة الزنا باختلاف حال الجاني فإن
كان الزاني غير محصن فعقوبته مائة جلدة لقوله تعالى : ((الزَّانِيَة وَالزَّانِي َفاجْلِدُوا ُ كلَّ وَاحِدٍ مِّْنهُمَا مِئة جَلْدَةٍ)) [النور/ 2] أما المحصن فعقوبته الإعدام، و قد يثبت هذه العقوبة بأحاديث كثيرة.

- شروط هذه العقوبة : لتطبيق هذه العقوبة يجب توفر عدة شروط :

- 1 شهادة أربعة عدول على حصول الفعل مع اليقين الكامل و التأكد التام مع اتفاقهم في كل تفاصيل
الفعل، وزمانه و مكانه و وضعه فإن لم يتفقوا على ذلك اعتبر إبلاغهم كاذب، و أوقع عليهم حد القذف
بدلا من إيقاع حد الزنا على المتهم.

- 2 عدم توفر شبهة تسقط الحد فإذا توفرت أية شبهة أو وجد أي مخرج للمتهم سقط عنه الحد. عن
عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم (ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما
استطعتم فان و جدتم للمسلم مخرجا فخلوا سبيله فان الإمام أن يخطئ في العفو خير له من ان يخطئ
في العقوبة). [رواه: البيهقي
...............

- الحكمة من هذه العقوبات : بالنظر في العقوبات الإسلامية كلها يظهر تلازم أمرين فيها :
أ- الأول كثرة الاحتياطات لصالح المتهم، و كثرة القيود على تطبيق العقوبة.
ب- صرامة العقوبة و شدتها، و هذا يضمن أمرين:
الأول : حفظ الأمن العام وتقليل معدل الإجرام نظرا لصرامة العقوبة فالقاتل الذي يعلم أنه سيقتل و
السارق الذي يعلم أنه ستقطع يده و المعتدي على العرض و الأسرة الذي يعلم أنه سيرجم أو يجلد مائة
جلدة سيفكر في نتائج الجريمة قبل الإقدام عليها، بينما إذا علم أنه سيحبس فقط لأشهر أو سنوات قد لا
يبالي بالعقوبة وبالتالي لا يقلع عن الجرم.
الثاني : صيانة حياة المتهم وإعطاؤه كل الضمانات بأن لا تطبق عليه العقوبة إلا بعد استنفاذ كل
الأعذار و البحث عن السبل التي تدرأ عنه العقوبة. و إذا نظرنا إلى الزنا نجده ينطوي على نفس الميزة
حيث تشدد في وسائل إثباته ( أربعة عدول ) وكانت عقوبة حازمة.

4/ القذف :
و هو اتهام المحصن العفيف البريء بالزنا أو نفي نسبه من أبيه بمعنى آخر: هو اتهام بزنًا لم تقم على
إثباته بينة مقبولة شرعا وقد وردت عقوبة القذف في قوله تعالى : ((وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ُثمَّ َلمْ
[ يَأُْتوا بِأَرْبَعَةِ ُ شهَدَاء َفاجْلِدُوهُمْ َثمَانِينَ جَلْدًَة وََلا َتْقبَُلوا َلهُمْ شَهَادًَة أَبَدًا وَأُوَْلئِكَ هُمُ الَْفاسُِقونَ)). [النور/ 4
فقد حددت الآية عقوبتين للقاذف إحداهما جلده ثمانين جلدة، و الثانية عدم قبول شهادته إلا بعد
توبته، بالإضافة إلى العقوبة الأخروية إن لم يتب.
و قد شرع حد القذف لحماية سمعة الأفراد أن تلوث أو تدنس من قبل مروجي الإشاعات الذين لا شغل
لهم إلا نهش الأعراض. فمن أجل صيانة الأعراض جاء الإسلام بحلين متكاملين :
- الأول : تحريكه لدوافع الإيمان ووازع الضمير حيث حرم الغيبة و التجسس و الأخذ بالظن.
- أما الثاني : و هو تشريع عقوبة القذف فمن لم يردعه إيمانه و تقواه ردعته العقوبة.

5/ شرب الخمر :
من أهداف الإسلام الكبرى تحقيق مصالح الناس و درء المفاسد عنهم، و من مقتضيات ذلك أنه ((
وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عََليْهِمُ الْخَبَآئِث )) [الأعراف/ 157 ] و حفظ لهم نفوسهم و عقولهم و أموالهم و أعراضهم.
و من أحكامه التي تتجلى فيها كل تلك المقاصد تحريمه للخمر و تشريعه العقوبة لشاربها.
ذلك أن الخمر تهدم الكليات الخمس جميعا و هي :النفس والمال و العقل و العرض والدين وقد
يتصور المرء لأول وهلة أن الخمر إنما تذهب العقل فقط و أن ضررها لا يتعدى ذلك. و لكن الحقيقة
أنها تذهب الدين و النفس و المال و العقل و العرض ذلك أن معاقرتها تحصر شاربها في شهواته
الدنيا دون أن يحمل فكرة عليا أو رسالة سامية و بذلك ينطفئ وجدانه و يتبلد إحساسه الديني فلا يفيق
أبدًا.
كما أنها تفتك بالنفس و تؤدي إلى الأمراض القاتلة المستعصية إضافة إلى ما تستنزفه من ثروات
خاصة و عامة. و لو نظرنا إلى ما تسببه من حوادث و غياب عن العمل ومصروفات و علاج من
الأمراض المتسببة عنها لوجدنها تكلف الدول الكثير. ثم هي قبل ذلك تجرد الإنسان من خاصيته التي
بها يتميز و هي العقل، حيث يلتحق بالبهائم و هو الذي سخر بطاقته العقلية التي وهبه الله ما في الكون
لمصلحته و منفعته.
قال الله تعالى : ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَُنوْا إِنَّمَا اْلخمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الأَنصَابُ وَ الأَزْلامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ
الشَّيْطَانِ َفاجَْتنِبُوهُ َلعَلَّكمْ ُتفْلِحُونَ ،إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوََة وَ اْلبَغضَاء فِي الْخَمْرِ وَ الْمَيْسِرِ وَ يَصُدَّكمْ عَن ذِكْرِ الّلهِ وَ عَنِ الصَّلاةِ َفهَلْ أَنُتم مُّنتَهُونَ)) [المائدة/ 90
91 ]
ولما كانت الخمر -تسبب كل هذه المفاسد و الأضرار المادية والمعنوية فقد رتب الإسلام على شاربها عقوبة حدية وهي جلد ثمانين جلدة...

ثانيا – القصاص :

- 1 تعريف القصاص :
و هو النوع الثاني من أنواع العقوبات في الإسلام والمقصود به (أن يفعل بالجاني مثل ما فعل بالمجني
عليه فإن قتله قتل و إن قطع منه عضوا أو جرحه فعل به مثل ذلك إن أمكن ما يؤد إلى و فاة الجاني و
النظر في ذلك يرجع إلى أهل الاختصاص.

- 2 أهم قواعد القصاص :
للقصاص عدة قواعد من أهمها :

أ - أن القصاص لا يستحق إلا في القتل العمد أو الجرح العمد أما الخطأ فلا يستحق فيه القصاص.قال
الله تعالى : ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَُنوْا ُ كتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الَْقتَْلى)) [البقرة/ 178 ] وقال تعالى:
[ ((وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ)) [المائدة/ 45

ب - أن جرائم الاعتداء على الأشخاص قد جعل الإسلام لإرادة المجني عليه أو أوليائه دورا أساسيا
في منع وقوع العقاب على الجاني حيث قرر جواز العفو و أنه من حق المجني عليه بل ندبه إلى ذلك و
أجزل له الثواب في الآخرة ((َفمَن َتصَدَّق بِهِ َفهُوَ كَفَّارٌَة لَّهُ))[المائدة/ 45 ] فله أن يعفو عنه إلى الدية أو
[ قال الله تعالى : ((وَ أَن َتعُْفوْا أَقْرَبُ لِلتَّْقوَى)) [البقرة 237 è . مطلقا من غير عوض دنيوي

ج - أن توقيع العقاب و تنفيذه تتولاه السلطة العامة، و لا يتولاه أولياء الدم أو الأفراد.

- 3 الحكمة من القصاص :
بالنظر في العقوبات الإسلامية عامة و القصاص على وجه الخصوص نجد أنها تتسم بسمتين متكاملتين.

الأولى : صرامة هذه العقوبات و شدتها، وذلك للردع عن الجريمة، و محاصرتها
بصرامة.

الثانية : التشديد في وسائل إثبات هذه الجرائم و بالتالي التقليل من فرص تنفيذ هذه العقوبات، و حماية
المتهمين بها و في هذا السياق يأتي مبدأ درء الجرائم بالشبهات وتفسير أي شبهة في صالح المتهم، و
فتح باب التوبة و اعتبارها مسقطة للحد في بعض الحدود ( كالحرابة ) و جواز العفو كما في
القصاص، بل الندب إليه والحث عليه.
و يأتي التكامل بين هذين العنصرين من حيث أنه يجمع بين محاصرة الإجرام وحماية المجتمع منه و
صيانته حق الفرد المتهم وعدم أخذه بالظن والتهمة و كفل له أفضل الضمانات لعدالة الحكم عليه و
إنفاذه من العقوبة ما أمكن.وبذلك يمتنع الناس – أو معظمهم على الأقل – عن هذه الجرائم لصرامة
العقوبة – و لا تنفذ هذه العقوبات عمليا إلا في النادر و بذلك يتحقق الأمن العام، وتصان حرمات
الأفراد على حد سواء.
........






ثالثا - التعزير :

- 1 تعريف التعزير :
و هو عقوبة غير مقدرة تجب حقا لله أو لآدمي في كل معصية (جريمة) ليس فيها حد و لا كفارة. و
التعزير هو أوسع أنواع العقوبات، ذلك أن الجرائم التي حددت عقوبتها قليلة العدد أما ما عدى تلك
الجرائم - جرائم الحدود و القصاص فهو داخل ضمن نطاق التعزيرات. و التعزيرات تمثل الجانب
المرن من العقوبات بحيث يلائم الظروف المختلفة للمجتمع بما يحقق المصلحة العامة و يصلح المجرم
ويكف شره.
و قد عرف الفقه الإسلامي أنواعا مختلفة من التعزيرات تتدرج من الوعظ و التوبيخ لتصل إلى الجلد
مرورا بالعقوبات المالية والسجن و هذه التعزيرات متروكة للاجتهاد ضمن القواعد العامة للشريعة
الإسلامية و المقاصد الكلية للإسلام بما يوازن بين حق المجتمع في الحماية من الإجرام وحق الفرد في
تحصين حرياته و رعاية حرماته.

- 2 لا يجوز تكفير مسلم لذنب ارتكبه :
و لا يعد كل إنسان قصَّر في دينه بارتكابه المعاصي مرتدَّا عن الإسلام، بل إن الإنسان لا يعد مرتدَّا، و
إن فعل فعلا يدل ظاهره على الكفر دون أن يقصد الكفر.
فالمسلم لا يجوز اتهامه بالكفر مهما بلغ من الآثام، و مهما اقترف من ذنوب مادام يشهد أن لا إله إلا
الله، و لا ينكر أمور الدين كالصلاة و غيرها. و إنما المرتد من نطق بالكفر و استمر الكفر في قلبه
واطمأن به، قال : (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإن قالوها، وصلوا صلاتنا، و
استقبلوا قبلتنا وذبحوا ذبيحتنا، فقد حُرِّمَ ْ ت علينا دماؤهم و أموالهم إلا بحقها و حسابهم على الله) [رواه :
البخاري].

- 3 أثر الإيمان في مكافحة الجريمة :
الإيمان هو أن نؤمن بالله وملائكته و كتبه ورسله و اليوم الآخر والقضاء و القدر خيره و شره،
من استكمل عناصر الإيمان في قلبه، فيستحيل أن يجتمع معها جنوح إلى الجريمة، هذا الإيمان الذي
يستقر في القلب هو أكبر مانع من ارتكاب الجرائم، فالذي يؤمن بالله فإنه يخشاه، و لا يرتكب ما
يغضبه، بل يسعى لإرضائه بشتى الطاعات، فمن باب أولى أن يجتنب الجرائم، و الذي يؤمن باليوم
الآخر، فلا يقدم على الجرائم التي سيحاسب عليها في ذلك اليوم، و الذي يؤمن بالقضاء و القدر فلا
يتمرد على حكم الله، و يرضى بما قسم الله له، و لا يسعى وراء الحرام.

- 4 أثر العبادة في مكافحة الجريمة :
العبادة في الإسلام اسم يطلق على كل ما يصدر عن الإنسان المسلم من أقوال و أفعال وأحاسيس
استجابة لأمر الله تعالى و تطابقًا مع إرادته ومشيئته.
فلا حصر و لا تحديد لنوع الأعمال أو الأفكار أو الأقوال، أو المشاعر والأحاسيس اّلتي يعبد بها الله...
فالصلاة، و الصدقة، و الجهاد، والتف ّ كر في خلق الله، و مساعدة الضعيف، و أداء الأمانة، و العدل بين
الناس، و رفض الظلم، و عدم شرب الخمر،... ؛ فكلّ تلك الأعمال هي عبادة ما دام الداعي إلى فعلها،
أو تركها، هو الاستجابة لأمر الله تعالى.
و انطلاقًا من هذا التعريف لمفهوم العبادة.. نعلم أنّ العبادة في الإسلام ليست محدّدة بمجموعة من
التكاليف و الأعمال.. و إّنما تّتسع لتشمل كل ما يصدر عن الإنسان بدافع القربة إلى الله و الاستجابة
لأمره، و الانتهاء بنهيه.
إذا كانت العبادة بمفهومها العام تتناول ما جاء في الدين من أمر ونهي فان امتثال أوامر الله في جميع
مناحي الحياة أمر لابد منه لتحقيق معنى العبودية و قد نهى الإسلام عن كل ما فيه ضرر و أذى بدا
بالصغائر و نهاية بالكبائر و هذا يشمل الجرائم المتعارف عليها كلها و جاء هدا النهي في صور متعددة
من أساليب القرآن الكريم و في السنة النبوية تارة بالإجمال وأخرى بالتفصيل.
.............

* أسئلة التصحيح الذاتي :

- 1 اشرح قول الله تعالى و لكم في القصاص حياة ؟
- 2 شرع الله أساليب و قائية لمحاربة الجريمة اذكر ثلاثة منها ؟
- 3 ما هو الفرق بين الحدود و القصاص و التعزير ؟
- 4 ما هي أضرار الخمر و المخدرات اجتماعيا و اقتصاديا و أخلاقيا و ضح إجابتك بأدلة ؟


* أجوبة التصحيح الذاتي :

- 1 شرح قول الله تعالى: ( و لكم في القصاص حياة ):
أي أن في القيام بحد القصاص على بعض الأفراد المعتدين حفاظ على حياة عموم الناس، و لا يمكن
لأي عقوبة بديلة أن تحفظ حياة الأفراد.

- 2 شرع الله أساليب و قائية لمحاربة الجريمة :
أ/ التربية السليمة.
ب/ الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.
ج/ منع الشفاعة في إقامة الحدود و العقوبات.

- 3 الفرق بين الحدود و القصاص و التعزير :
أن الحدود مقدرة بينما التعزيرات فهي موكولة إلى تقدير القاضي، و الحدود لا يمكن إسقاطها بعد و
وصول أمرها إلى القاضي، بينما القصاص فيمكن لولي الدم أن يسقطه، و يعفو على الجاني.

- 4 أضرار الخمر و المخدرات :
اجتماعيا : نشر العداوة و البغضاء، و الصراعات و الاعتداءات و حوادث السيارات. و تضييع
الأبناء و انتشار الطلاق.
اقتصاديا : تضييع المال وإهداره فيما لا ينفع، و إتلاف الممتلكات بالحوادث.
أخلاقيا : ابتعاد المرء عن ربه، و ارتكاب الفواحش من زنا و قذف و سرقة.
___________________________________________________________________

 إنتهى بفضل الله الجزء الأول من دروس العلوم الإسلامية مع حلول أسئلة الكتاب المدرسي ,  ( 9 دروس كاملة ) و هذا ليساعدكم في الفصلين الأول والثاني تماشيا مع دروس المقرر ..
لمزيد من الدروس صفحتنا في الفيسبوك تحت تصرفكم
https://www.facebook.com/edu.bac.dz
* الموضوع التالي : دروس العلوم الإسلامية كاملة مع حلول أسئلة الكتاب المدرسي . في جزءها الثاني والأخير ..
* للحفاظ على هذه الدروس يمكنكم مشاركة الرابط في مختلف مواقع التواصل الإجتماعي بالنقر على مشاركة أو share  الموجودة هنا في هذه الصفحة .
____________________________


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مقالة فلسفية حول الأخلاق شعبة آداب وفلسفة بكالوريا

مقالة حول الاخلاق السؤال : إذا كان الانسان من حيث هو كائن عاقل ، هل يمكن عندئذ القول ان اساس القيمة الاخلاقية هو العقل ؟ الطريقة : جدلية i - طرح المشكلة : تعد مشكلة أساس القيمة الخلقية من أقدم المشكلات في الفلسفة الاخلاقية و أكثرها إثارة للجدل ؛ إذ تباينت حولها الاراء و اختلفت المواقف ، و من تلك المواقف الموقف العقلي الذي فسر أساس القيمة الاخلاقية بإرجاعها الى العقل ؛ فهل فعلا يمكن تأسيس القيم الاخلاقية على العقل وحده ؟ ii – محاولة حل المشكلة : 1- أ – عرض الاطروحة :يرى البعض ، أن مايميز الانسان – عن الكائنات الاخرى - هو العقل ، لذلك فهو المقياس الذي نحكم به على الاشياء وعلى سلوكنا وعلى القيم جميعا ، أي أن أساس الحكم على الافعال و السلوكات و إضفاء طابع اخلاقي عليها هو العقل ، وعليه أٌعتبر المصدر لكل قيمة خلقية . وقد دافع عن هذا الرأي أفلاطون قديما و المعتزلة في العصر الاسلامي و كانط في العصر الحديث . 1- ب – الحجة : ويؤكد ذلك أن ( أفلاطون 428 ق م – 347 ق م ) قسم أفعال الناس تبعا لتقسيم المجتمع ، فإذا كان المجتمع ينقسم الى ثلاث طبقات هي طبقة الحكماء وطبقة الجنود وطبقة العبيد ، فإ

أسئلة وأجوبة التقويم النقدي مادة اللغة العربية . بكالوريا

  أسئلة وأجوبة التقويم النقدي . اللغة العربية . .مقدمة التقويم النّقدي نشاط يساهم في تفتّح ذهن الطالب في مجال النّقد الأدبي بغية تقييم و تقويم و تعريف الأجناس الأدبية. نرجو من خلال هذه المقتطفات تعميم الفائدة لأبنائنا المقبلين على امتحان شهادة الباكالوريا. و الله وليّ التوفيق *عصر الضّعف و الانحطاط * 1- س/ التّقويم النّقدي: " ظهر تيار الزّهد كردّ فعل حقيقي لتيار اللّهو و المجون، و موضوعاته تدعو إلى سموّ الأخلاق". - حدّد مفهوم الزّهد في الأدب الذي تفشى في عصر الضّعف، و الأسباب التي أدّت إلى ظهوره كفنّ قائم بذاته،و الشعراء الذين تناولون بالنّظم هذه الفترة؟ ــــــــــــــــــــــــــــــ ج/- ظهر تيار الزّهد كرد فعل حقيقي لتيار اللّهو و المجون. · مفهوم الزهد في الأدب في عصر الضعف: هو أسلوب في الحياة يدعو إلى العزوف عن الدّنيا بكلّ لذاتها و الاعتصام عن الافتتان. و الزهد طبقات: فيه التشدّد و التّزمت و فيه الأخذ من الحياة بوسط. و يعزى أصل الزّهد إلى الهند و الصّين، و هو طارئ على الإسلام إلاّ إذا كان تركا للحياة و فقرا. · أسباب انتشار الزهد: حين عمّ البذخ و تعاظم ا

مقالات فلسفية شعبة لغات أجنبية

مقالات فلسفية شعبة لغات أجنبية المقالة 1 المقارنة بين الدهشة و الإحراج في السؤال الفلسفي أ – طرح المشكلة : إذا كان فعل التفلسف لا يستقيم إلا بوجود سؤال يحركه ، وكان السؤال الفلسفي أصناف تارة يطرح مشكلة وتكون الدهشة مصدره ، وتارة أخرى يطرح إشكالية فيكون الإحراج مصدره ، فإنا هذا يدفعنا إلى التساؤل عن طبيعة العلاقة بينهما ؟ أهي علاقة اختلاف أم علاقة تكامل ؟ ب – محاولة حل المشكلة نقاط التشابه ـ كلاهما يرتبطان بالسؤال الفلسفي ـ كلاهما يتعلقان بالإنسان العاقل الراغب في التعليم و المعرفة ـ كلاهما يصدران مواضيع تهز في طرحها أعماق الإنسان النفسية و المنطقية و الاجتماعية ـ كلاهما لحظة شخصية و نفسية يعانيه الشخص بدمه ولحمه ـ كلاهما يعبر عن معاناة التفكير الفلسفي نقاط الاختلاف بالرغم من وجود نقاط اتفاق بينهما إلا أن ذلك لا يعطيهما نفس التصور لأنه توجد بينهما أيضا نقاط الاختلاف ففي حين نجد الدهشة تصدر عن السؤال الفلسفي الذي يطرح مشكلة ، فإن الإحراج يصدر عن السؤال الفلسفي الذي يطرح إشكالية و بالتالي فالفرق بينهما فرق في درجة تأثير كل منهما في نفسية و عقلية السائل طبيعة العلاقة بين